النفس البشرية أودعها الله من العواطف الشيء الكثير، وجعلها مجبولة عليها فحب الابناء والتراحم بين الزوجين والعطف على الفقراء وأمور كثيرة نجد أننا نسير بها لا تحركنا فيها إلا العاطفة، بل عندما نشاهد الأسلوب القرآني الجميل نجد أنه استخدم العاطفة كثيرا، فما تقرأ آياته إلا وتجد نفسك تارة تبتسم وتارة تدمع عيناك، وانظر إلى قصة موسى مع فرعون أو إبراهيم مع والده وكيف كانت قصة إسماعيل مليئة بالعواطف. لذلك كان منهج نبينا صلى الله عليه وسلم إثارة العواطف، فكثيرا كان يربط أصحابه بها. انظر إليه صلى الله عليه وسلم عندما رأى تلك المرأة التي فقدت فلذة كبدها في الحرب، فما أن رأته إلا احتضنته وألقمته ثديها، والكل يشاهد فقال رسول الله صلى الله عليه: هل تظنون أن تلقي هذه بولدها في النار؟ فقالوا جميعا لا، فقال: الله أرحم بعبده منها. ما أجمل هذه الصورة! وكم تحمل من العواطف الشيء الكثير، لنقف قليلا وننظر إلى واقعنا في العمل الخيري هل نحن استطعنا توظيف هذه العاطفة في أعمالنا وتقاريرنا؟ المشكلة التي يعاني منها المهتمون بالعمل الخيري أنهم يفكرون بمنظورهم لا بمنظور الداعم أو المستفيد، قد أتعجب كثيرا عندما أسمع أن جمعية تُعَنى بالأيتام أو جمعية إغاثية أو جمعية لتحفيظ القرآن الكريم تشتكي من ضعف الموارد المالية كيف تعاني وهي جمعية مليئة بالعواطف التي تثير مشاعر الصغير والكبير قبل التاجر أو الجهة الداعمة، وهذا لا يعني أن باقي الجمعيات لا تستطيع، بل كل العمل الخيري يتضمن مشاريع وأعمالا تثير العواطف، وتؤثر كثيرا ولكن المهم كيف نكتشف مواطن القوة لدينا ونبرزها ونجعلها محلا لإثارة العواطف؟ نتذكر جميعا قصة الطفل محمد الدرة وكيف أثارت قصته عواطف الملايين، وقد مرت مثل هذه القصة قصص كثيرة قد تكون أكبر منها ولكنها لم تبرز، ولم يُعَتنى بها لذلك كانت نسيا منسيا، ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا كيف نستطيع ان نجعل العاطفة ممزوجة مع أعمالنا الخيرية، فمثلا بدلا من أن اكتب خطابا أو ابحث عن مسوق ليسوق لحلقة تحفيظ القرآن امام ذلك الداعم، أبحث عن طفل صغير يقرأ وبكل براءة آيات من كتاب الله من حفظه أمام ذلك الداعم، وأتحدث بعبارات مختصرة عن هذا الطالب كنموذج من ألف طالب وطالبة (أقل أو أكثر) نعتني بهم في حلقاتنا في الجمعية، وأعرج قليلا على واقع أطفالنا وانشغالهم بالألعاب الإلكترونية، وممكن يكون ذلك مسجلا بمقطع فيديو قصير. وكذلك مع الأيتام فبدلا من أن نقول اكفل يتيما بمبلغ 300 ريال أو غيرها. لما لا أثير العاطفة إما بعمل مقطع فيديو أو أجعل أحد هؤلاء الأيتام يتحدث عن معاناته وكيف فقد والده؟ هذه الصور كفيلة أن تحرك وتثير الدافعية لدى الداعم بشكل غير معتاد، بل ربما يستمر في الدعم فترة طويلة، وقد يتبرع أكثر من مرة ويقوم هو بالتسويق عوضا عنك لدى الآخرين بسبب أن هذه الصورة ستلازمه فترة طويلة وتملك مشاعره تجاه ذلك اليتيم. هذه بعض الصور التي تتجلى فيها العاطفة كثيرا وتجعلنا نركز على العاطفة قبل طلب الدعم. * مهتم بالتسويق وتنمية الموارد المالية في الجهات الخيرية