العلاقة المفترضة بفقرائنا في الميزان هي التكافل والتساند، فهل هي كذلك في واقعنا؟ الفقير هو من يعاني من نقص موارده عن الوفاء باحتياجاته الأساسية، فهو يتعرض لسوء التغذية، وسوء الصحة ومحدودية التعليم، وانعدام السكن المناسب. وهو ما يعرف بخط الفقر. والإسلام يعالج هذه المشكلة التي تعد من التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمعات المعاصرة من خلال محورين: الأول: التكافل لا التجاهل: ويقصد بالتكافل الاجتماعي: أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح، ودفع المفاسد، لا سيما تجاه الفئات الفقيرة. وأهم مساعدة تقدم لهم هو توفير عمل يؤمن لهم قوتهم، فالبطالة من أهم أسباب الفقر في المجتمعات، وفي الحديث: (لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ )[رواه البخاري]. وفي حالة عدم قدرة بعضهم على العمل لظروف صحية أو عمرية، يوصي الإسلام بأن يعمل القادرون عملا إضافيا يزيد من دخلهم، ويمكنهم من مساعدة أهل الحاجة كما في البيان النبوي: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِيهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أو بِالْخَيْرِ، قَالُوا: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ) [رواه البخاري]. وشرع الإسلام فريضة الزكاة للفقير الذي يعجز عن العمل أو لا يجد عملا، وذلك بإخراج ما نسبته 2.5% من رصيد الأغنياء، في تحويلات سنوية إلى الفقراء، تجنيها الدولة كل سنة لتردها على الفقراء، وهم أول مصارف الزكاة في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ...﴾ [التوبة: 60]. لكن هذه الزكاة ليست للقادر على العمل المتاح وفي الحديث: (لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ [قوة] سَوِيٍّ) [رواه أبو داود]. فالصدقة ليست لمتبطِّل كسول. وعندما تمر على المجتمع أزمة أو محنة فينبغي أن يتضامن جميع أفرادها في مواجهتها، وقد امتدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- المواساة والإيثار في التعامل مع الأزمات الطارئة، في قوله: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) [رواه البخاري]. الثاني: التقدير لا التحقير: الفقر ليس عيبا أخلاقيا، يجلب على صاحبه الإهانة والتحقير، فالفقير المتعفف له كرامته كإنسان، بل قد يكون على منزلة من تقوى تجعله أكرم عند الله ممن سواه. والغنى أو الفقر في حقيقته ينبع من داخل الإنسان، كما يظهر ذلك في الحوار النبوي مع أبي ذر رضي الله عنه (يا أبا ذر! أترى أن كثرة المال هو الغنى؟ إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب) [صحيح الجامع: 7816]. وعندما مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، َقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ. ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)[ رواه البخاري]. قال الحافظ بن حجر في شرحه للحديث «لَا حُجَّةَ فِيهِ لتفضيل الْفَقِير على الْغَنِيّ..، لَكِنْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ طُرقِ الْقِصَّةِ أَنَّ جِهَةَ تَفْضِيلِهِ إِنَّمَا هِيَ لِفَضْلِهِ بِالتَّقْوَى». مرت علينا مناسبة عالمية منذ بضعة أيام، في السابع عشر من أكتوبر الجاري، تمثلت في الاحتفاء باليوم الدولي للقضاء على الفقر وكان شعاره للعام 2016 (الخروج من دائرة المهانة والإقصاء إلى أفق المشاركة والقضاء على الفقر بجميع مظاهره)، إشارة إلى ما يعانيه الأشخاص الأكثر فقرا من إذلال وتهميش في عالم اليوم. وإسلامنا سابق في تحقيق هذه الشعار من خلال ما تبناه من دعوته إلى التكافل والتقدير لفقرائنا، فمتى نُظهر ذلك عمليا على أرض الواقع؟