قبل أن أحدثكم عن أميجدالا، فلنتحدث قليلا عن المخ. هذا الجهاز الرخو الذي لا يتعدى وزنه ثلاثة أرطال من أعجب الخلق الإلهي. كان علماء المخ والأعصاب يعتقدون أن المخ الذي نولد به هو المخ الذي نتوفَّى به، وأن صبغة صفة الإنسان وطريقة أفكاره وطباعه تأسيس ثابت تُبنى عليه نوعية الشخصية وكيفية ترجمة المعلومات التي تأتيه من الخارج حسب هذا التكوين الخلوي القاعي، أو التأسيسي. كما أننا نعرف أن دماغنا الذي يشبه الجوزة مفلوق لنصفين يمين ويسار، ودرج العلماء على وصف بحدود قاطعة من السبعينيات حتى الآن -بعضهم- بترسيخ الاعتقاد بأن كل نصف من المخ يكوّن الشخص الفنان والمتعامل عاطفيا مع المعطيات الخارجية، والفص الآخر للشخصية الجافة الرياضية العلمية بخيالها المحبوس بحقائق يؤمن بها بالإدراك الحسي. على أن علم المخ والأعصاب تطور كثيرا. يثبت الآن أن مخنا حتى عندما نكبر ليس يتغير فقط من قاعدته بل تتخلق خلايا جديدة. وذلك عن طريق التجارب الخارجية مع السنين. وكأن مخنا عمارة هائلة بها مليارات الحجر، كل حجرة تتكون وتتبدل بحسب تفكير ساكنها أو ما يتغير فيه بالذوق والتأثير الخارجي. هذا يثبت الخطأ الذي يقع به الجبرية أحد المذاهب الإسلامية لو أن النقاش الذي دار من عشرات القرون ما زال حاضرا، وأظنه حاضرا بأشكال وأنماط لليوم. كما يثبت العلم أن نصفي الدماغ ليسا جارين كبلدين لهما حدود سياسية لا تتقاطع ولا يدخل ويخرج من سكانها أحد للدولة الأخرى إلا بضوابط. هناك روابط عصبية متداخلة بين النصفين تجعل الصفات والنشاطا الكيميائية والموصلات الكهربائية تتحدث وتتبادل وتتنازل وتعطي.. فلا عجب أن نرى عالما بالفيزياء الرياضية بقوانينها المثبتة والمدركة والخالية من أي تدخل عاطفي، ويكون بذات الوقت شاعرا رقيقا يتضور ألما لأن حبيبته صدمته فيشكو للقمر بلواه وغرابيله، وهو كعالم يعرف حق المعرفة أن القمر جرم فضائي حجري لا يسمع ولا يرد. صديقتنا «أميجدالا» عبارة عن تكتل خلوي بشكل لوزة في الفص الصدغي بالمخ Temporal Lobe وهي مهمة بكامل تكويننا النفسي وشعورنا بالحالة أو الحالات العصبية وتأثير ما يأتينا على الخارج، ولي أن أسميها الخلايا الخاصة بحمايتنا، ببقائنا. صديقتنا أميجدلا لها أمران مثل ما يقال عن سلاح ذي حدين، فهي إما تصدق ما يأتي من الخارج فتعمل على أساسه، وتوجه اعتقداتنا للتصديق بصفة تتلبسنا لأن أحدا أملاها علينا خارجيا. والأمر الآخر أن الله أعدها بطريقة عجيبة كي تتحسس الأشياء قبليا، مما يعني أنها تحلل بانطباع محايد، وهي ما يجب أن نعودها عليه، فيكون ما يأتي من الخارج مجرد معلومات Data وليست تأثيرات مباشرة. يعني ليست الجهاز الصلب Hard ware، إنما البرامج المتغيرة والمعدة مسبقا خوارزميا Soft ware. فعندما يقول لك أحد مثل إنك كسلان ولا تنتج، أو إنك شحيح الإنتاج، فإن الأمر لك الآن والخيار عن طريق صديقتك إن نفعتك أميجدالا، بأن تأخذ ما قيل عن كسلك وضعف عطائك مجرد معلومة ولا تتأثر بها لأنك تؤمن بأنك شخص منتج، بل ربما غزير الإنتاج.. أو أن تخونك هذه الصديقة وتتلبس الصفة ويقتنع عقلك أنك كسول لا تعطي فتميل فعلا للكسل وقلة العطاء بتسيير من أوامر دماغك. عملت مع شبابنا فتيات وأولادا بالأعمال التطوعية وبلا حوافز مادية فأذهلوني، وأذهلوا العالم. واسألوا رئيس اتحاد العمل التطوعي العربي، واسألوا منظمة الأممالمتحدة للتطوع. إن من يثبتون أنفسهم ويتفانون بلا مقابل إلا حبا مقطوعا خالصا للعمل لإسعاد الناس والارتقاء بمجتمعاتهم، قد أبدعت صديقتهم أميجدالا.. لذا، لن يستطيع أن يخذلهم، بأمر الله، أحدٌ.. أيا كان!