تركيا دولة إقليمية لها وزنها التاريخي ودورها الريادي في المنطقة، ويمكن النظر الى عمقها العثماني، كمؤشر لمزيد من القيمة الإسلامية التي تجعلها مع المملكة قوة ضاربة على الصعيد الدولي، أي أن البلدين حليفان استراتيجيان يمكنهما مواجهة كثير من التحديات التي تعيشها الأمة الإسلامية، ما يتطلب تنسيقا مستمرا ومشاورات حول كثير من القضايا، وذلك يجعل من زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية لتركيا أهمية مضاعفة في مرحلة تاريخية تحتاج الى بحث ملفات معقدة ومتشابكة يمكن للبلدين أن يسهما في إيجاد حلول لها من واقع دورهما وتأثيرهما. زيارة سمو ولي العهد لتركيا والتي جاءت بتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» بحثت مع الرئيس أردوغان والمسؤولين الأتراك عددا من الملفات في مقدمتها تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات إضافة إلى تنسيق مواقف البلدين من قضايا المنطقة والتطورات الإقليمية ومكافحة الإرهاب، الى جانب الأبعاد الاقتصادية وتعزيز التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبر محاولات الوصول إلى اتفاقيات تجارة حرة وتعزيز الفرص الاستثمارية المتبادلة. العنوان الرئيسي لزيارة سمو ولي العهد الى الجمهورية التركية في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة، هو بناء مسارات استراتيجية لتطوير العلاقات الثنائية وتفكيك تشابكات الأزمات الإقليمية التي تؤخر الاستقرار وتهدد الأمن، وتلك ملفات تحتاج الى تنسيق سياسي عميق على أعلى المستويات، خاصة وأنهما الدولتان الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالم الإسلامي ولهما حضورهما وفعاليتهما الدولية التي تجعلهما أكثر تأثيرا في القضايا وهما متفقتان ومتجانستان في رؤاهما السياسية والأمنية. من المنظور السياسي لزيارة سمو ولي العهد رسالتها القوية في تأكيد أهمية تركيا للمملكة والعكس، وتلك معادلة تستقيم معها كثير من القضايا لأن بناء التحالفات بين الأشقاء يعزز نفوذهما وتأثيرهما، وقد أثبتت الأحداث أنهما سويا يمكنهما إنجاز واختراق كثير من العراقيل وصلابة المواقف وتحقيق الأمن والاستقرار في أكثر من ملف بالمنطقة، لأن هناك قواسم مشتركة كثيرة سياسية وتاريخية واستراتيجية وأمنية يمكنها أن تضيف مزيدا من عوامل القوة للعمل المشترك والتحالف الاستراتيجي في مرحلة عالمية تتطلب أدوار أكثر فاعلية لكلا البلدين، وبتحالفهما فإنهما يختصران كثيرا من الوقت والطريق لحل المشكلات وتسوية القضايا العالقة التي دخلت فيها اطراف إقليمية ودولية بصورة غير نزيهة وأحدثت تخريبا كبيرا في جيوسياسة المنطقة ما يتطلب كبحها ووضع حد لتغلغلها. أمام المملكة وتركيا تحديات تتطلب مواجهات حاسمة من خلال التعاون وإثراء العلاقات الثنائية بمثل هذه الزيارات خاصة بعد أن تخلصت تركيا من تبعات الانقلاب الفاشل على ديمقراطيتها الرصينة، وقد بادرت المملكة الى رفض الانقلاب وتهنئة الرئيس التركي بنجاح القضاء عليه، ولذلك تستمر العلاقات في مسارها الذي يتم تعبيده وتمهيده بمزيد من الثقة والمصداقية والشفافية بما يخدم المصالح المشتركة، سياسيا وامنيا واقتصاديا، من أجل تقديم نموذج إسلامي مهم وقادر على معالجة مشكلات المنطقة والعالم الإسلامي بذات التآخي والسلام الذي يعتبر قاسما مشتركا إضافيا بينهما، ويمكن مع هذه الزيارة التأكيد بأن العلاقات اتخذت منحى أكثر دفعا الى الأمام لصالح وخير الشعبين الشقيقين والأمة الإسلامية.