«ابحث أنت عن المعرفة، فالمعرفة لا تبحث عن أحد» «أناتول فرانس» إدارة المعرفة مبنية على فكرة أن البشر ليسوا قادرين على الاستفادة من كل الطاقة الكامنة في عقولهم. وكذلك المنظمات هي غير قادرة على استغلال كل المعرفة التي بحوزتها. ومن خلال إدارة المعرفة، تسعى المنظمات إلى الحصول على المعرفة المفيدة أو إيجادها، وجعلها متاحة لأولئك الذين يمكن أن يستخدموها في الوقت والمكان المناسبين لهم، لتحقيق أقصى قدر من الاستخدام الفعال، والتأثير إيجابيا على أداء المنظمة. واليوم هناك تحول في علم الإدارة، من أهمية إدارة تدفق المخزون إلى أهمية إدارة تدفق المعرفة. فالمديرون في المنظمات أصبحوا يتلقّون سيلا عارما من البيانات والمعلومات كل يوم. فقد بين أحد الباحثين (ديفيد ديربشاير) أن ما يتلقاه الشخص العادي سنويا من البيانات يعادل قراءة كل شخص في العالم 174 جريدة في اليوم. وهذا الفيض الهائل من البيانات يجعل إدارة المعرفة أكثر أهمية من ذي قبل. هناك ثلاثة مجالات مهمة يمكن أن تساهم بها الإدارة الحيوية للمعرفة في نجاح المنظمة، وهي: (1) تسهيل قدرات المنظمة في صنع القرار، وذلك من خلال تحييد المعلومات غير المهمة والحصول على المعلومة بيسر، وتسهيل تبادل المعلومات بين أصحاب القرار، ودعم جودة القرارات، و(2) بناء منظمة تتعلم باستمرار، وذلك من خلال التقييم المستمر للذات والوحدات والمنظمة، والبحث عن سبل للتطوير والتحسين، فعند كل إخفاق أو نجاح، لا بد من الالتفات للخلف للاستفادة من الدروس بما يفيد في المستقبل، و(3) تحفيز التغيير الثقافي والابتكار، من خلال السماح للأفكار والمعلومات بالتدفق بحرّية. ولذلك فإن إدارة المعرفة مجال حيوي، وستبقى أهميتها قائمة لعقود قادمة. والملاحظ، أن مجالات البحث في علم الإدارة تكون على شكل طفرات، تظهر وتنمو بسرعة فائقة، إذ تصل إلى ذروتها خلال خمس سنوات تقريبًا، ثم تبدأ بالانحسار بشكل سريع مثلما بدأت. ولكن إدارة المعرفة مختلفة في هذا، فاستنادا إلى عدد البحوث المنشورة سنويا في العقود القليلة الماضية، وُجد مثلا أن صرعة الاهتمام في مجال «دوائر الجودة» بدأت في العام 1977م، وبلغت ذروة الاهتمام البحثي في العام 1992م، قبل أن تنحدر وتتلاشى. كذلك ظاهرة «إدارة الجودة الشاملة،» فقد بدأ الاهتمام بها في العام 1990م وبلغت ذروة الاهتمام بها في العام 1993م، قبل أن تتدحرج إلى منحدر النسيان. ثم جاءت تقليعة ما اصطلح على تسميته بالهندرة (إدارة إعادة الهندسة)، التي بدأت في العام 1992م وبلغت أوج مجدها في العام 1995م قبل أن تنزلق هابطة إلى القاع. ولكن الاهتمام بإدارة المعرفة بدأ في العام 1993م، وواصل صعوده بثبات حتى يومنا هذا، حيث إن المعدل السنوي للأبحاث في هذا المجال قد فاق الألف بحث بكثير. ونظرًا لأهمية إدارة المعرفة، نجد اليوم الكثير من الأنشطة الأكاديمية والمهنية التي تعنى بإدارة المعرفة، منها الدوريات البحثية، والمؤتمرات المختصة، والندوات، والبرامج، والمناهج. فهناك أكثر من 25 دورية بحثية متخصصة فقط بإدارة المعرفة، كما توجد مؤتمرات علمية مختصة في مجال إدارة المعرفة، وتقام بشكل دوري في مختلف أنحاء المعمورة. فخلال الأشهر القليلة القادمة، نجد أكثر من ثمانية مؤتمرات دولية تقام في أمريكا، واليابان، وإيرلندا الشمالية، والبرتغال، والنمسا في مجال إدارة المعرفة. وإدارة المعرفة ليست محصورة فقط داخل المنظمة. فربما يكون تبادل المعرفة بين المنظمات المبني على الثقة بنفس الأهمية. فقد قدرت خسائر أفضل 500 شركة حسب تصنيف مجلة فورتشين بأنها تبلغ 31.5 بليون دولار في السنة، نتيجة فشلها في تبادل المعرفة خارج أسوارها. وتلعب التقنية دورا مهما في إدارة المعرفة بالمنظمة، شريطة أن نعرف التقنية المناسبة. ولعل من أهم أشكال المعرفة هي الحوارات والنقاشات والمراجعات التي تجري بين الأفراد وأعضاء الفرق في المنظمة حيال المهمات والمشاريع والمبادرات التي تنهض بها المنظمة. وربما كانت وسائل التواصل الاجتماعي الداخلية هي السبيل الأفضل لحفظ وتشكيل ونقل واكتشاف المعرفة، والحصول على المستند المطلوب بما في ذلك آراء المختصين في موضوع النشاط المستهدف. ومن أهم الوسائل التي تساعد على بناء المعرفة من خلال التواصل الاجتماعي هي «مجتمعات الممارسة»، وهي مجموعات من الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة التي تلتقي وجها لوجه أو من خلال الفضاء الإلكتروني لتبادل القصص، والتجارب، ومناقشة الفرص والتحديات، وأفضل الممارسات، والتحدث عن الدروس المستقاة، وتتصف هذه المجموعات بالطبيعة الاجتماعية للتعلم داخل أو عبر المنظمات. ومثال على «مجتمعات الممارسة» هو أن تقوم منظمة كمصلحة الطرق بإنشاء مجموعة يشارك بها المهتمون من الخبراء والمهندسين في مجال إنشاء وصيانة الطرق، بهدف نشر المعرفة في هذا المجال. والأفضل ألا تقتصر عضوية هذه المجموعة على منسوبي المصلحة، ولكن يشارك بها كل من له اهتمام بإنشاء الطرق وصيانتها في بيئة كبيئة المملكة. لقد بلغت الاستثمارات السنوية في مجال إدارة المعرفة أكثر من 100 مليار دولار. وحرصت كثير من المنظمات على إنشاء مراكز للمعرفة وجعلت مرجعيتها للرئيس الأعلى في المنظمة. فالقدرة على البقاء اليوم للمنظمات هي ليست في كون الموظفين يحملون المؤهلات العلمية المناسبة، ولكن في قدرتهم والمنظمة على التعلم، وإشراك الآخرين بما يعلمون، ووضع معرفتهم موضع التنفيذ.