ظهر يوم الجمعة الأخير من شعبان الماضي كنت بمطار جدة عائدا إلى مطار الدمام. صُدِمتُ عندما قرأتُ على شريط الأخبار وفاة لاعب الملاكمة العالمي (محمد علي كلاي) رحمه الله. فقد مثل لدي فضيلة الصبر وغريزة التحدي. نُزِع منه لقبه وسُجِن لمدة أربع سنوات لأنه رفض الانضمام للجيش الأمريكي الذي كان يحارب الفيتناميين في ديارهم، وذلك في منتصف الستينيات من القرن العشرين. خرج بعدها منتصرا على الظالم وفاز باللقب مرة أخرى. تابعتُ مسيرته الرياضية وتصريحاته حيث كان رمزا للمسلم القوي في وطن قوي (أمريكا). حزنتُ كثيرا لوفاته وتذكرتُ يوم قابلته شخصيا في مدينة الدمام ودعوته لحضور حفل جائزة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للتفوق العلمي فاستجاب للدعوة واستقبله سمو الأمير محمد بترحاب كبير وأجلسه إلى جانبه لتناول طعام العشاء وتبادل معه الأحاديث الودِية. أخذتُ مقعدي بالطائرة وإذا جاري على المقعد الآخر هو (الأستاذ أحمد بن عيد الحربي) رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم. حييته مرددا مرحبا بالكابتن أحمد عيد. تابعتك حارسا متألقا بالنادي الأهلي.. وأدعو لك بالنجاح في اتحاد كرة القدم. شكرني.. وبعد برهة ذكرتُ له اسمي فرحب بي. قلتُ له.. أكثر ما أعجبني فيك أنك يوم تألقك واصلت دراستك، ولا أمنُ عليك فقد ذكرتُ اسمك لسمو الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله - في مكتبه بالرياض عندما تمنيتُ على سموه أن يحث الأندية على اختيار لاعبين متعلمين ومثقفين مثل اللاعب أحمد عيد لأنهم في نظري مع بروزهم على الساحة الخضراء سيكونون ممثلين صالحين للرياضة السعودية داخل الوطن وخارجه. ابتسم أحمد وقال ما معناه: الفضل في هذا بعد الله يعود لسمو الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله - فقد كان يقول لنا نجاحكم في دراستكم أهم عندي من فوزكم في الدوري. بادرته بسؤال: ما هي (الرياضة) في نظرك؟ فأجابني بأن الرياضة علم وتطبيق، وخُلُق، وصحة وقبول للآخر. طلبتُ إليه التوضيح أكثر فقال: يخطئ من يظن أن الرياضة عضلات، بل هي علم مستقل بذاته لها حركات مدروسة، وقوانين محترمة واللاعب الناجح هو من يعي هذه الحقيقة ويطبقها على نفسه في التمارين والمعسكرات والملاعب. وهي أخلاق وهذه في نظري أكثر ما يُميِز اللعب ويتميز به وخاصة في مجتمعنا. فنحن أبناء الدين الخاتم وأتباع النبي الرسول الخاتم الذي وصفه الله بأنه ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وتمام الخُلُق عندي (عند أحمد كما يتحدث) هو الإيمان بالله ورسوله وبالقرآن، وعبادة الله وحده، وحب الله وحب رسوله ومجالسة الطيبين، والرياضة صحة في الأبدان للاعبين ومساهمة غير مباشرة من الرياضيين في تنمية صحة المجتمع. ونحن الرياضيين نساهم في تنمية الذوق العام والصحة العامة. والرياضة بما فيها من تنافس هي حوار مشترك بين الأفراد بعضهم البعض، وبين الفرق وبعضها أحيانا. إنها قبول للآخر. قلتُ له تردد في نفسي ولا يزال سؤال عن مدى الحكمة والفائدة من إقامة ما تسمونه (مباراة السوبر) بين الفرق السعودية خارج البلاد.. وفي بريطانيا؟ قال: نحن لسنا بدعا في هذا المجال. فقد سبقتنا أمم متقدمة علينا زمنيا في كرة القدم. ونحن في (اتحاد كرة القدم) رأينا إقامتها في لندن باعتبار بريطانيا سباقة في مضمار الكرة وعاصمتها جاذبة لهواة السياحة والاصطياف من أنحاء العالم. وقد حققنا بذلك أفضل دعاية لبلادنا والحمد لله إلى جانب أن دخل المباراة بعد استبعاد جميع النفقات يفوق ما قد يتحقق لو أقمناها بالداخل مرات عديدة.. ولكن المهم الذي حققناه هو حديث الناس والصحف والراديو والتلفاز عن بلادنا (وهذه دعاية مجانية)، وقدمنا شعبنا للإنجليز على أنه شعب منظم فقد دهش المنظِمون عندما لم يكن بالمدرجات مخمورين يفقدون عقولهم، ولم تحدث مشاجرات بين الجمهور وحتى بين اللاعبين.. وقال لنا المنظمون الإنجليز إن هذه المباراة بهذا العدد من الجمهور وبهذا الهدوء والانتظام.. هي بحق مباراة تاريخية. وقبل الخروج من الطائرة قلتُ له: أنت أول رئيس لاتحاد كرة القدم وتشكيله في نظري يمثِل انعطافة فارقة في تاريخ كرة القدم السعودية، ما تعليقك؟ أكد لي أن قيام الاتحاد تشريف من القيادة التي نعتز بها، وتكليف من سمو الأمير المسؤول عن الرياضة (هيئة الرياضة حاليا) في البلاد. وكون الاتحاد في سنواته الأولى فلابد من العثرات.. ولكن المتحقق أكبر وأكبر.. أحمد درس بمدينة جدة وتخرج في جامعة الملك عبدالعزيز وحاز على درجة الماجستير من أمريكا وعمل موظفا للجهاز الحكومي ثم في بعض شركات القطاع الخاص. لعب حارس مرمى وحصل على أفضل الجوائز محليا وخليجيا وعربيا. أحمد عيد الحربي يدين في تربيته لوالديه، ويرى أن السعودية خير الأوطان.. وهذه (الخيرية) تفرض على اللاعب السعودي أن يكون ملتزما بالدين، شامخا بالأخلاق، مذكورا بتعاونه مع زملائه ورؤسائه.
