نائب أمير الرياض يقدم تعازيه في وفاة ابن جريس    محافظ حفر الباطن يتفقد المستشفى المركزي والتأهيل الشامل    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    حارس الفيحاء: قدمنا مباراة جيدة أمام أفضل فريق في الدوري السعودي    مدير الجوازات يتفقد جوازات مطار البحر الأحمر    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    اخضر 23 يكتسح تايلاند بخماسية دون رد    ميتروفيتش يكشف موعد عودته    النصر يخسر ساديو ماني أمام الخليج    البنك الدولي يختار المملكة مركزاً للمعرفة لنشر ثقافة الإصلاحات الاقتصادية عالمياً    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    أمير منطقة عسير يتفقد اليوم، عددًا من المراكز والقرى الواقعة شمال مدينة أبها.    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    جازان تُنتج أكثر من 118 ألف طن من الفواكه الاستوائية.. وتستعد لمهرجانها السنوي    احتفاءً بقرار الأمم المتحدة بتخصيص عام 2024 «السنة الدولية للإبليات».. السعودية تشارك في مسيرة الإبل بباريس    استثناء الجهات التعليمية الأهلية من اشتراط الحد الأدنى للحافلات في النقل التعليمي    نجران: إحباط تهريب 58 كيلوغراما من مادة الحشيش المخدر    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    محترف العين: طعم الانتصار على الهلال لا يُوصف    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    ثلث أطفال بريطانيا بين سن الخامسة والسابعة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسبب المرض    «CIA» تحذّر: أوكرانيا مهددة بخسارة الحرب    بعد الفيتو الأمريكي.. استياء عربي لرفض عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    خطيب الحرم المكي يوصى المسلمين بتقوى الله وعبادته والتقرب إليه    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    خطيب المسجد النبوي: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    أمين مجلس التعاون : عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعتبر خطوة للوراء في جهود تحقيق السلام    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    الطائي يصارع الهبوط    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    فيصل بن تركي وأيام النصر    المستقبل سعودي    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديفيد كاميرون.. الخروج الكبير
وداعًا أوروبا
نشر في اليوم يوم 30 - 06 - 2016

«الخروج الكبير» - أو «الوداع المزدوج» - لبريطانيا الدولة، من الاتحاد الأوروبي؛ ولرئيس وزرائها الشاب ديفيد كاميرون، من سدة السلطة؛ هو عنوان عريض ترافقه مُقلٌ «جاحظة»، ذهولا وترقبا وحزنا وأسفا؛ في مشهد سريالي أبطاله «شعبويون» و«طامحون» امتطوا مواقفهم دون التعرف إلى «كلمة السر»، تلك التي ستقودهم إلى «نهاية ما» ل«لعبة الاستفتاء» أو ال«Brexit».
الاجتهاد -هنا- يستدعي الانخراط في بحث عن معنى كلمة «Brexit»، التي رافقت «مهرجان الاستفتاء» على «خروج بريطانيا» من منظومة «الاتحاد الأوروبي»، لتكون الخلاصة - بعد طي أعرق قواميس اللغة الإنجليزية (MERRIAM-WEBSTER) - «لا وجود للكلمة»، لكن دون أن يحول ذلك من احتلالها حيزا واسعا في «الذهنية السياسية»، البريطانية والأوروبية والعالمية، ليس فقط باعتبارها اختصارا لكلمتي «British exit»، بل باعتبارها نهاية مأساوية لعلاقة دامت 43 عاما.
وبالنسبة لديفيد كاميرون، فإن ال«Brexit» ستشكل «عقدة مزمنة» لدفتر ذكريات الشاب الصاعد في «هرم السلطة» البريطانية، الذي آثر مغادرتها بعد إخفاقه في الإبقاء على بلاده ضمن حيزها الأوروبي الواسع، لكنه - على غير إرادته - ضَمِن لنفسه البقاء كأحد عناوين مراحل تطور «بريطانيا العظمى»، وبوصفه رئيس الوزراء الذي قاد البلاد إلى خارج أوروبا.
ديفيد ويليام دونالد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، لندني ثري، يتصل نسبه بالملك وليام الرابع، ولد في مارليبون (9 أكتوبر 1966)، لعائلة من الأثرياء، أو كما تصفها الأدبيات البريطانية لعائلة من «أثرياء الطبقة الوسطى العليا».
والدا ديفيد هما أيان دونالد كاميرون، رجل الأوراق المالية، وماري فلور ابنة السير وليام جبل، اللذان تزوجا في 20 أكتوبر 1962، أنجبا أسرة من 4 أفراد: الكسندر (1963)، تانيا راشيل (1965)، وكلير لويز (1971)، إضافة إلى ديفيد.
وحول أصوله يعترف بأنه ينتسب إلى «خليط حقيقي» (عرقي وديني)، يراوح بين «الإسكتلندية والويلزية والإنجليزية»، إضافة إلى «اليهودية»؛ ويقول وفق ما تورده صحيفة «التليجراف» (The Telegraph) بعنوان «ديفيد كاميرون يخبر الإسرائيليين عن أجداده اليهود» (David Cameron tells Israelis about his Jewish ancestors) إن جدتي من طرف أمي هي السيدة يويلين، التي تعود أصولها إلى إقليم ويلز، بينما جدي من طرف والدي، آرثر ليفيتا، من أصول يهودية ألمانية، وهو سليل مؤلف «اليديشية» إيليا ليفيتا.
حياته المبكرة بدت كما هي حياة أثرياء بريطانيا، إذ التحق بمدرسة مستقلة (خاصة)، وتحديدا في مدرسة إيتون، ليصير - لاحقا - أول زعيم محافظ يدرس فيها منذ مطلع الستينيات، وهي إحدى أغلى المدارس الخاصة في بريطانيا أجرا، وضمت بين تلامذتها الأميرين أندرو وإدوارد.
وتعتبر «المدرسة المستقلة» مثلبة على السياسي في بريطانيا، إذ تفضل أدبيات البريطانيين أن يكون قادتهم قد تعلموا في مدارس القواعد (مدارس حكومية للمتميزين)، ومن العصاميين الذين بنوا أنفسهم بأنفسهم، دون الاستناد إلى ثراء عائلي.
أظهر ديفيد كاميرون نبوغا مبكرا، سمح له بالقفز عن التدرج بصفين مدرسيين دفعة واحدة، لينتقل في سن ال 13 إلى كلية إيتون، وبعد ستة أسابيع من قبوله بمستوى مرتفع، ساقه حظه الى القبض عليه متلبسا ب«تدخين الحشيش» (مادة مخدرة).
اعترف ديفيد كاميرون، خلال التحقيق، بارتكابه جريمة تعاطي الحشيش، وأنكر مشاركته في ترويجها وبيعها، الأمر الذي جنّبه الطرد، فيما اكتفت إدارة الكلية بتغريمه، ومعاقبته بالمنع من مغادرة أرضها، إضافة إلى معاقبته بنسخ 500 سطر من نص لاتيني، وفق ما تورده المصادر الإنجليزية.
لم يطل به المقام في كلية ايتون، إذ خضع لبرنامج مكثّف، في التاريخ والفن والاقتصاد والسياسة، تجاوزه بتفوق، وينتقل إلى «جامعة إكسفورد»، ويلتحق ب«كلية براسينوس» (Brasenose) عام 1985 لدراسة درجة البكالوريوس في الفلسفة والسياسة والاقتصاد.
قبيل التحاقه بجامعة إكسفورد، ولدى زيارته الاتحاد السوفيتي، يقول ديفيد كاميرون ان «اثنين من ضباط الاستخبارات السوفيتية (KGB) حاولا تجنيده لصالح موسكو، إلا أنهما أخفقا في ذلك»، وهي الحادثة التي لا دليل عليها سوى حديثه.
في جامعة اكسفورد، التي غادرها ب«مرتبة الشرف» عام 1988، سرعان ما ظهر نبوغ الشاب اليافع، ليندفع أستاذه البروفيسور فيرنون بوغدانور واصفا إياه بأنه «واحد من أقدر الطلاب ممن يحملون وجهات نظر سياسية محافظة معتدلة».
بيد أن الطالب المتميز لم تخل سيرته الجامعية - أيضا - من الشغب، إذ أدين ب«الإفراط في شرب الكحول، وارتكاب سلوك عنيف أدى إلى إلحاق أضرار في الممتلكات»، ورغم ذلك استطاع ترقية شهادته الجامعية إلى درجة الماجستير.
طوال دراسته الجامعية، تجنب كاميرون الانخراط في العمل السياسي الطلابي، مكتفيا في تبريره ذلك بأنه «أراد أن يقضي وقتا ممتعا في الجامعة»!.
في البداية، خيارات ديفيد كاميرون الشاب في اختيار مهنة المستقبل بدت مضطربة، إذ سعى للعمل في «الصحافة» ومن ثم «القطاع المصرفي»، متأثرا بسيرة والده العملية، ليتغير اهتمامه بقراءته - في يونيو 1988 - إعلانا يطلب باحثين شبابا للعمل في «دائرة البحوث» التابعة ل«حزب المحافظين».
الغريب في قصة عمله ب«حزب المحافظين» أن مكتب الإدارة تلقى اتصالا هاتفيا، صبيحة اليوم الذي أجرى فيه كاميرون مقابلة التقدم للعمل، مصدره «قصر بكنغهام»، دون أن يكشف المتصل هويته، وقال لموظف الحزب: «فهمت أنكم تقابلون ديفيد كاميرون، حاولت كل ما باستطاعتي لثنيه عن تضييع وقته في السياسة، لكني فشلت، أتصل بكم لأقول لكم إنكم ستقابلون شابا مميزا فعلا».
حظي الشاب ب«الوظيفة»، وعمل فيها بين عامي 1988- 1993، ليسطع صيته بعد وقت قصير، خاصة بعد عمله مع من أصبح لاحقا «وزير الداخلية» في «حكومة الظل» ديفيد ديفز، وتحديدا في فريق تقديم المعلومات عن الأسئلة التي توجه لرئيس الوزراء في البرلمان. خلال عمله في دائرة البحوث نسج كاميرون شبكة علاقات مع زملائه، وأطّروها فيما عُرف آنذاك ب«مجموعة ميدان سميث» (Smith Square set)، وهي المجموعة ذاتها التي أطلقت عليها الصحافة «Notting Hill set»، ما أتاح له ظهورا أكثر وضوحا.
فوز حزب المحافظين في انتخابات 1992 شكل دفعة قوية للشاب الصاعد صيته، إذ كان من أعمدة الحملة الانتخابية، رغم أنه تعرّض - ومجموعته - لسيل من الانتقادات، ليختاره وزير المالية نورمان لامونت مستشارا سياسيا، وكان إلى جانبه حين وقع «يوم الأربعاء الأسود»، الذي انهار فيه سعر صرف الجنيه الإسترليني بسبب آليات معدلات الصيرفة الأوروبية.
«الأربعاء الأسود» أثّر على كاميرون، إذ أخفقت حينها حكومة المحافظين في الحد من انخفاض شعبيتها، التي بلغت 30%، وأطيح بوزير المالية، إلا أن المستشار الشاب لم يغادر الوزارة، لحين نقله مستشارا لوزير الداخلية مايكل هوارد، وعندما سُئِل عن الأمر، قال إن «الشاب لا يزال صالحا جدا»، وهنا بدأ اسمه يتردد كمرشح محتمل عن حزب المحافظين للانتخابات المزمعة.
في الأثناء، تصورات كاميرون كانت آخذة بالتبلور، خصوصا لجهة دخوله المعترك السياسي كمرشح برلماني، ومن ثم رئيسا للحزب وللوزراء، إلا أنه لم يحظ بعد بخبرات عملية خارج السياسة، ليعود أدراجه إلى حلمه الأول في العمل الإعلامي، الذي خبره حتى عام 1997 حين قرر الترشح لانتخابات البرلمان، إلا أنه أخفق فيها ليعود إلى الإعلام مجددا بانتظار الفرصة المواتية، التي تأتت له على ما يبدو عام 2001.
لم تحظ المرأة، بوصفها زوجة، بحيز في حياة ديفيد كاميرون حتى عام 1996، إلا أن شقيقته كلير قادته إلى التعرّف على صديقتها المقرّبة سامنثا، ابنة السير ريجنالد شيفيلد، البارون الثامن، التي كانت تعمل مديرة فنية في شركة سميثسون للقرطاسية الراقية.
التعارف بدأ في حفلة ببيت عائلة كاميرون، وقاد الشاب - في 1 يونيو 1996 - إلى الزواج من سامنثا، التي أنجبت له 4 أطفال، إيفان (2002)، ولد مصابا ب«الشلل الدماغي ومتلازمة أوتاهارا»، ونانسي (2004) وآرثر (2006) وفلورانس (2010).
بعد 5 سنوات من زواجه، عاد كاميرون في 2001 للترشح للبرلمان مرة ثانية، ليفوز ويبدأ صعوده برلمانيا بسرعة، مختارا العمل في لجنة الشؤون الداخلية، وسعى عام 2005 إلى انتخابات زعامة حزب المحافظين، التي خاضها ضمن منافسة شرسة مع أربعة من المرشحين الأقوياء، محققا فوزه بها، ليقود حكومة الظل بعد إخفاق حزبه في الانتخابات العامة.
وفي 2010 استطاع حزب المحافظين إقصاء حزب العمال بعد جدب سياسي استمر عقدا من الزمن، ورغم حصوله على أعلى الأصوات في الانتخابات، إلا أنه لم يحقق الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة، لتَعلَق بريطانيا في مأزق برلماني، حسمها كاميرون باستمالة زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ (حزب معارض) لتشكيل أول حكومة ائتلافية منذ الحرب العالمية، وليعاد انتخابه مجددا في مايو 2015، لتشكيل حكومته الثانية.
دخل كاميرون «10 داوننغ ستريت»، وهو مقر رئيس الحكومة البريطانية، باعتباره أصغر رئيس وزراء خلال قرنين من الزمن، وتحديدا منذ عام 1812، بما يشمل ذلك منافسه العمالي توني بلير، الذي يكبره بستة أشهر.
ويقترن اسم ديفيد كاميرون، من جهة طول بقائه على رأس السلطة، بأسماء ثلاثة زعماء بريطانيين تاريخيين هم: ستانلي بالدوين، والليدي مارجريت تاتشر، والسير وينستون تشرشل؛ فيحل هو رابعا بعدهم بطول فترة بقائه على هرم السلطة.
تبنى كاميرون، حتى إعلانه رغبته بالاستقالة من منصبه في أكتوبر 2016، مواقف متضاربة، وربما متناقضة، فقد أراد أن يُنظَر إليه بوصفه نوعا جديدا من السياسي المحافظ، الليبرالي الذهن، والمهتم بالشأن الاجتماعي، وضمن صورة تعكس حداثوية توجهاته؛ فيما يصف نفسه بأنه «براغماتي بطريقته الخاصة»، ويذهب إلى حد بعيد في التشكيك ب«الأيديولوجيا»، ما منحه القدرة على تشذيب مواقفه لتتناسب وأزمنة مختلفة، إلا أن هذا لا ينفي عنه تبدل مواقفه بين طرفي نقيض، ليجلب لنفسه سيلا من اتهامات الخصوم والحلفاء على حد سواء.
«براجماتية» كاميرون المفرطة ولّدَت شكا وعدوانية صريحة بين زملائه من المحافظين الخالصين أيديولوجيا، الذين تساءلوا عما يدافع عنه، إن كان ثمة ما يدافع عنه؛ بينما لا يتردد عن القول «أنا رجل عملي وبراغماتي، أعرف أين أريد الوصول، ولكنني لا ألتزم أيديولوجيا بمنهج واحد محدد»، ويضيف «أنا مصلح اجتماعي جذري، كما كانت مارجريت تاتشر مصلحة اقتصادية».
تصريحات كاميرون دفعت العديد من وسائل الإعلام البريطانية «المحافظة» إلى تشبيهه ب«الحرباء»، وهي من الزواحف التي تستطيع تغيير لونها باستمرار، وبما يناسب المخاطر او التهديدات التي تتعرض لها، فيما لم يتركه منافسوه، من مختلف التوجهات، في حال سبيله، إذ وجهوا له انتقادات عديدة، وهي سنّة الديمقراطيات التي لا يتورّع أصحابها عن توجيه اللكمات لخصومهم السياسيين.
ولكن، ظلت تلك المواقف محدودة التأثير على مسيرة كاميرون السياسية، لتشكل قضية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي «Brexit» مفترقا مهما في مسيرة الرجل، الذي سارع إلى الاعتراف بنتائج الاستفتاء، الذي أجري الخميس قبل الماضي وأعلنت نتائجه الجمعة الماضية.
ورغم أن كاميرون وعد ناخبيه، عام 2005، بتبني قضية الخروج من الاتحاد، واعتبرها - آنذاك - مصلحة بريطانية عليا سيعمل لأجل تحقيقها، إلا أنه في 2016 دافع عن البقاء، في مخاطرة باتت تتهدد حزب المحافظين، الذي انشق على نفسه، ليعلن أخيرا في مشهد حزين أنه سيغادر «10 داوننغ ستريت» أكتوبر المقبل، ليفسح المجال أمام رئيس وزراء آخر لبدء مفاوضات الانسحاب.
نتائج استفتاء ال«Brexit»، غير المُلزمة للحكومة بموجب القانون، إعلانها جاء بمثابة إلقاء حجر كبير في مياه بحيرة آسنة، لتبدأ معه سلسلة من ردود الأفعال المتفائلة والمتشائمة، والمؤيدة والمعارضة للخطوة.
ورغم أن نتائج الاستفتاء أدت، فور إعلانها، إلى فقدان الجنيه الإسترليني نحو 15% من قيمته أمام العملات، مذكرا بانهياره في «الأربعاء الأسود» عام 1992، إلا أن قيادات بريطانية «شعبوية» و«طامحة»، اعتبرت الانسحاب بمثابة «استقلال جديد» لبريطانيا، بعيدا عن إدراكها ل«آثاره السلبية»، الآنية والمستقبلية، الشاخصة أمام الجميع.
انقسام شبه عامودي أصاب بريطانيا ذاتها، بعد الاستفتاء، سواء لجهة التصويت، الذي انحازت فيه إيرلندا لصالح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وباتت تطالب بالانفصال عن الدولة، أو لجهة حالة الانقسام داخل حزب المحافظين، الذي قاد أحد رموزه المعركة، وهو عمليا مهندس الانفصال بوريس جونسون.
وفيما بدا أنه انفراط لعقد أوروبا، سارعت قوى سياسية، في نحو 10 دول، إلى إعلان عزمها إجراء استفتاءات مشابهة، وضمن متوالية أقرب إلى «الدومينو»، الذي سرعان ما ستتساقط قطعه كافة بسقوط أولها.
وبدا السياسيون الأوروبيون غاضبون، وبشكل خاص في برلين وباريس، بينما سيطر القلق على باقي دول الاتحاد، التي حذّرت من ضرورة احترام بريطانيا لتعهداتها ومواثيقها إن كانت تريد الاحتفاظ ببعض الحقوق في أوروبا.
ولم تتوقف ارتدادات نتائج الاستفتاء عند القارة الأوروبية، ليمتد تأثيرها إلى دول كبرى، واستدعت كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما النقاب عن «مخاوف حول النمو الاقتصادي في العالم، على المدى الأبعد، الذي سيصيب امكانات الاستثمار في بريطانيا وأوروبا بوجه عام بالجمود».
عربيا، بدت الأسواق أكثر استقرارا وهدوءا من نظيراتها، فيما لا يُعرف بعد حجم التأثير المتوقع على المنطقة من عملية الانسحاب، إلا أن مختلف المراقبين أشاروا إلى متباينة من دولة لأخرى.
أجواء حزينة رافقت إعلان نتائج الاستفتاء، إلا أن دمعة فرّت من عين سمانثا، عقيلة كاميرون، التي رافقته عند إعلانه نيته الاستقالة تزامنا مع مؤتمر حزب المحافظين أكتوبر المقبل، اختصرت المشهد برمته، فهو - بلا شك - «خروج مزدوج وكبير» في آن واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.