في سفح من سفوح جبال الالب يشبه أسطورة خضراء فتحت ذاكرتي لعلي أجد فيها ما يشبه المكان، وهل يشبه هذا المكان غير الشعر؟ وإذا ذاكرتي صحراء قاحلة يفر منها حتى السراب.. أهذه هي الغربة السوداء؟ هكذا صنعت من الاستفهام سوطا أحث به ذاكرتي على تذكر المطر حتى من سحابة صيف «عن قليل تقشع» فلم تستطع صفعة السوط أن توقظها من السبات إلا قليلا. كان هذا القليل هطول سحابة من شعر مظفر النواب باللهجة الشعبية العراقية من «الريل وحمد» وقصيدة «يا ريحان» وراحت السحابة تتسع لتهطل شعرا رائعا باللهجة المصرية تغنيه أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، أما الشعر الفصيح «حارس اللغة وتضحاكها» فلم يخطر في ذاكرتي ما يناسب المكان وكأن الخجل قد مسه مسا فتوارى.. مع الاعتذار لشعرائنا العظام أعني شعراء الفصيح. هنا رحت أتساءل: ما السبب في قفزة الشعر الشعبي الهائلة حيث راح يسابق الشعر الفصيح في تجاوز نفسه الدائم.. في حين أنه كان مجرد تعبير «جماعي» ليس فيه شيء من معاناة الذات الشاعرة؟ وأعتقد أن السبب هو أن منتجي الشعر الشعبي القديم كانوا أميين أما شعراء الحديث فهم مثقفون بكل العمق الذي تعنيه هذه الكلمة لذا كان تطور الشعر الشعبي أسرع من الشعر الفصيح. حين عدت من السفح الى سكني وكان غرفة تطل على نهر لا يلتفت اليه احد لأن المطر قد تكفل بري الحقول بسخاء.. كنت على قناعة تشبه اليأس بأن ما في ذاكرتي من الشعر لا يجرؤ أن يكشف عن وجهه في ذلك السفح.. وانطويت على نفسي انطواء أعمى يفر من عرس. فرارا من اضطرابي النفسي المرهق ذهبت إلى النت.. وإذ بي أقرأ قصيدة «مشهد سريالي» للشاعر الجميل أحمد سماحة التي منها: «ليالي الغربة طوال أطول من عمر الكون والعمر كتاب وأنا باحلم ألمّ حروفي وخوفي وأعود أقعد على طرف الشك قصاد صمتي وأعمل لسكوتي لسان وبورط نفسي في لعبة أسميها النسيان أقعد بين الصمتين في سكون وأغني لحبيبة ما شفتش غير ضحكتها بتعدي عليّ كل نهار من ورا شباك مقفول وتقول: مجنون» ما هذه الغربة الوجودية يا أحمد؟ إنك لا تستطيع الانسجام مع العالم الأبكم من حولك لقبحه.. وأنا لا أستطيع التلاؤم مع العالم المغرد من حولي لجماله، أي غربتين أمض؟!