أن نذكر رمضان أيام أجدادنا فهذا إنصاف وأن نتكلم عن رمضان في وقتنا الحالي فهذا إنصاف أيضا، لأن هذا يؤكد وبلا شك أن لكل زمن رغد عيش يميزه عن الزمن الذي سيتبعه، حتى وإن كان البعض منا يتعطش إلى ماضيه. بالأمس كنا في جمعة عائلية مع أقربائي تحدثت فيها جدتي عن رمضان أيام زمان شدنا الحديث، رغم أن معظمنا لم يحبذ أن تستمر في تذكيرنا بالقصة الرمضانية القديمة والمتكررة، لكنها كعادتها تصر دائما على تذكيرنا بما ننسى رغم أننا في الحقيقة لا ننسى وإنما لا نريد أن نربط زماننا بزمن غيرنا. ذكرت جدتي كونها كانت من سكان المناطق الجبلية في جازان قبل أن تتزوج من جدي - رحمه الله - وتنتقل للعيش في السهل بعيدا عن الجبل، قائلة: إنهم كانوا يستشعرون رمضان بروحانيته وعاداته القديمة التي أسسوا قواعدها بترابطهم ومودتهم، مبينة أنهم يجتمعون وبشكل يومي مع بعضهم البعض، ويتنافس كل النساء في تحضير الأطعمة والوجبات التقليدية والمكونة من» اللحم وخبز التنور المعروف ب «العيش الخمير» أو السمك المحضر من زيت السمسم والايدامات المتنوعة، حتى أنهم يصنعون من حليب البقر ما يسمى «الحقنة» التي تحضر منها «القطيبة» التي يضاف لها توابل معينة تضفي نكهة خاصة ذات مذاق طيب ومرغوب، وليس ذلك فحسب، بل انهم ينتظرون سماع مدفع الإفطار الذي يدوي صوته معلنا وقت الإمساك ووقت الإفطار، حتى أنها ذكرت أنهم لا ينقطعون عن مزاولة أعمال الرعي والزراعة والسقيا رغم حرارة الشمس الحارقة، لأنهم يجدون أن إنجازهم لأعمالهم المعتادة أمر حتمي للحفاظ على مصدر رزقهم الوحيد. ما ذكرته جدتي قد يكون جزءا بسيطا من قصص رمضانية يحمل أخبارها أجدادنا، رغم أنها لا تعني لنا شيئا الآن، نتيجة لتغير ظروف المعيشة وانتقالنا من مرحلة التأسيس والكدح إلى مرحلة التطور والاستهلاك، لكن تلك القصص تجعلنا نركز على جانبين رئيسيين، الأول منها يعود إلى قوة العلاقات الاجتماعية في ذلك الحين التي تؤثر في طريقها على نوعية المعيشة التي كانوا يعيشون فيها، على خلاف العلاقات الاجتماعية الراهنة التي أصبحت مرهونة بعامل الوقت او الفراغ، الجانب الآخر المرتبط بحفاظهم على مصدر رزقهم ومزاولتهم أعمالهم الشاقة رغم حرارة الشمس ووعورة الحياة، وليس فقط الطرق التي يقطعونها لإنجاز أعمالهم، رغم اننا نحن نتهاون في إنجاز أعمالنا ومصادر رزقنا بحجة تعب الصيام الذي يسببه السهر، متغافلين بذلك عن أن ذلك التهاون قد يفقدنا لذة رزقنا الوحيد الذي نستدر منه قوتنا. وعلى ذلك فالعبرة أخي القارئ أختي القارئة ليست تقليد الماضي، إنما في فهم ما كان عليه الماضي، لذلك أين نحن من رمضان أجدادنا؟.