لقد انتشرت في الآونة الاخيرة بل ظهرت على السطح ظاهرة تسمى ال «أنا» وخاصة مع ظهور ما يسمى برامج التواصل الاجتماعي. ظاهرة ال «أنا» هي هيمنة الأنا او حب الشخص لذاته او حبه للبروز حتى ولو على حساب عوامل أخرى، فنرى الآن الكثير من الاشخاص يحاولون أن يظهروا ويبرزوا أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي حتى ولو كان على حساب شخصياتهم او أسرهم او مجتمعاتهم او دينهم، فالاهم هو الظهور او البروز، فهناك من يحاول جذب كل من حوله إن لم يكن ايجابا فسيكون سلبا فهو يسير بمبدأ خالف تعرف في بعض الاحيان. فالأنا وأحيانا تسمى الغرور هو مرض ويتطابق مع المرض النفسي المسمى «النرجسية» المتمثل في حب الذات فقط. واسم نرجس مأخوذ من قصة حدثت قديما في العصر الروماني لشاب اسمه «نارسس» رأى صورته في الماء واعجب بنفسه وعشقها وصار لا يحب الآخرين ولم يتزوج لانه كان يعتقد أنه لا يوجد أحد جدير به. ولنعرج قليلا على بعض العوامل التي تزيد وتنمي جدار الأنا داخل الشخص منها الافتخار دائما بالانجازات وترديده دائما «أنا شخص غير عادي، أنا شخص محبوب، أنا متعدد المواهب، أنا فعلت، أنا عصامي» وغيرها من الالقاب الرنانة. ومن العوامل ايضا أنه يرى أن كلماته وتعليقاته ومواقفه هي الافضل والاكثر مصداقية دائما وفي كل تصرف يجد مبررا لنفسه، فالشخص كلما تعاظمت الأنا في داخله كان اكثر ارتكابا للأخطاء والجرائم باعتقاده انها حق مشروع له. وقد نضيف الى ذلك ان المجتمعات ايضا تصاب بهذا الداء لكن باسم «نحن» وهو طغيان الأنا الجماعية فربما تنظر جماعة او شعب أو مجتمع أنه فوق الجميع أو أنه شعب الله المختار ويبدأ بمنح نفسه حقوقا يفرضها على الآخرين، وقد ترى مجموعة أنها أفضل من غيرها أو ترى أخرى أنها مظلومة من المجتمع فتبدأ بالتصادم مع الآخرين سواء دينيا أو فكريا او سياسيا. ومن علامات المصابين بهذا المرض انهم لا يندمجون ولا يتكيفون مع المجموعات ومؤسسات المجتمع الدينية والمدنية ودائما يحبون أن ينسب أي عمل لهم أو باسمهم دون غيرهم وهذا لا يتوافق مع كلام خير البشر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). أخرجه البخاري ومسلم. ويقول الشافعي رحمه الله «ما ناظرت أحدا إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه» فالأهم هو الوصول للنتيجة. وهذا طبعا لا يمنعنا من استخدام الأنا في امور الخير والمقاصد الحميدة ومواطن العزة والنصر. ومن الامور التي تساعدنا أن نتحكم ونسيطر على هذه الظاهرة الوعي الكامل بكل ما يحصل حولنا واعطاء النفس مساحة كافية للوئام مع الآخرين وألا تقف النفس كثيرا أمام انجازاتها والتغني بها أمام الآخرين، بل الواجب اكمال المسير والانهماك والاهتمام بإنجاز جديد. وألا يتصيد الشخص زلات الآخرين ومعارضتهم الدائمة والتقليل من إنجازاتهم بقصد أنها تعرقل انجازاته فالمهم هو الوصول للنتيجة وليس إظهار الانا. والا يحكم الشخص على نفسه دائما من آراء غيره ومن حوله فقط، بل يجب أن يعرف الشخص نفسه بنفسه، فمن المؤلم أن تكون حياتك كلها من تأليف الآخرين. قال سفيان الثوري رحمه الله «من عرف نفسه استراح». ولكي يتعرف الشخص على ذاته الحقيقية فليبتعد قليلا عن حياته الروتينية وعن مكان إقامته وعمله ومنصبه حينها سيبتعد عن الرسميات والمجاملات والناس ستتعامل معه كإنسان بلا منصب ولا جاه فلا تجعل اللقب هو معرفك الشخصي وهو من يتعامل معه الآخرون. فالألقاب والمال والشهرة والمنصب يجب أن تكون وسيلة للوصول لنتيجة ما وليس أن تصرف صاحبها عن ذاته. أخيرا نقول إن الشخص كلما كبرت قيمة الأنا في داخله صغرت وقلت قيمته كإنسان فهو يعيش لنفسه فقط، أما من يعيش لنفسه ولغيره سيتقاسم الحياة معهم ويشعر بالسعادة الحقيقية.