كانت عين الحارة تلك الليلة مزدحمة بروادها من عشاق السباحة والاستحمام والاغتسال. اعتدل في جلسته على ضفة العين وسأل الرجل الذي يغسل ثوبه بمادة «الشنان» كم تتوقع الوقت الان؟. فرد عليه وهو ما زال يفرك بيده المعروقة ثوبه السواحل.. قبل ان أحضر الى العين كنا مصلين العصر في مسجد الحزم انا والوالد. طالعه يلاعب أخوي الصغير! وراح يشير لرجل عجوز كان يحمل طفلا صغيرا على رقبته وممسكا بساقيه بكلتا يديه. وأضاف: يعني باقي وقت على صلاة المغرب ليه مستعجل؟ إن كنت حريصا على صلاة الجماعة صلها معنا. العين وماؤها الطيب يصفونه لبعض الامراض الجلدية. الناس تجيها من الشرق والغرب! فرد عليه: الليلة مدعو لحفل زواج قريب وعزيز وبودي أن أحضر عرسه وأشاركه فرحه، تعرف الواجب واجب.!!. ومثل ما تشوف غسلت ثوبي وثياب العيال ونشرتهم على سور السعف. وانتظر جفافهم.. فتطلع اليه باسما وقال: اغلب اللي يسبحون ويغتسلون هم مثلك مدعوون لمناسبة أفراح.. الله يديمها على المسلمين.. كان الطقس شديد الحرارة، وراح الرجل يمسح جبينه بيده المشبعة ببقايا مسحوق الشنان الليموني اللون.. ونظر اليه وهو الآخر يمسح جبينه الذي نضح بالعرق، وقال: بصراحة اول مرة اسمع ان عين الحارة تشفي الامراض الجلدية.. اللي اعرفه ومتأكد منه أن «عين نجم» موصوفة للعديد من الامراض مثل وجع الركب والمفاصل، وحتى امراض الجلد مثل ما ذكرت.. فرفع يده المعروقة وهزها في وجهه: نعم عين نجم كل ما يقال عنها صحيح، لكن في هذه العين خاصية وجود «الحراسين» ألم تشعر بها وهي تداعب قدميك وتنظفها مما علق بها من جلد ميت او حتى قروح.. نعم أشعر بذلك دائما عندما اسبح فيها، لكن بيني وبينك لم أكن اعرف ان لها خاصية او فائدة! حسنا على العموم سوف اذهب مبكرا واصلي المغرب في طريقي.. أحسن من وضع إزاره، وشده جيدا على وسطه. واتجه الى حيث الثياب المنشورة. وحملها. وفجأة سمع الرجل صاحب اليد المعروقة يصرخ فيه وهو متجه اليه راكضا: انت أخذت ثوب الوالد. وسحب الثوب من يده وهو يردد غاضبا اقول ليه بتطلع من العين مستعجل. الحمد لله لاحظتك..!! تراجع الرجل قليلا وجسمه يرتجف والعرق ينضح من جبينه.. وقال: السموحة يا خوي والله اختلط علي الأمر وحسبته من الثياب اللي غسلتها أول ما وصلت للعين.. فرد عليه قائلا لا بأس، حصل خير.. وضع الرجل ثيابه داخل صرة عملها من إزاره ولبس ثوبه وأحسن من وضع غترته. كان الغسق يتسلل الى قمم النخيل وسعفها مشبعا بالحرارة والرطوبة. والرجل يعاتب نفسه بشدة. لماذا لم تفطن الى ان الثوب الذي سحبته من فوق سور السعف كان بدون ياقة؟! وبعد اسابيع كان الرجل عائدا من العين حاملا قفة على رأسه وبها ثيابه وملابس أولاده بعدما قام بغسلها في العين كعادته وقبل ان يصل الى الطريق الموازي للسواني إذا بنفس الرجل صاحب اليدين المعروقتين قادما للعين بصحبة رجل. ونظر اليه باسما وقال: ما شاء الله ما شاء الله وهو يتطلع الى القفه المكتنزة بالثياب. يبدو أن غنيمتك الليله عظيمة!
