هل سألت نفسك ذات مرة ما السؤال الحضاري والسؤال اللاحضاري؟ أو أين يكمن الفرق بينهما؟، أرجو ألا تعتبر الحديث هذا خارجا من «منطقة الترف»، وذلك لسبب قد يبدو وحيدا ومنطقيا في ذات الوقت، ولا يحتاج إلى كثير من البراهين للتدليل على حضوره من عدمه، فنحن لم نصل لهذه المنطقة بعد، حتى يكون سؤالي هذا، سؤال من أتخمته الحضارة، حتى بات يسأل أسئلة قد تبدو تجريدية أو من قبيل السؤال لسؤال، كما هي نظرية الفن للفن، أو يسأل بما هو بديهي، فليس هذا ما قصدته حينما طرحت سؤالي هذا، فالسؤال المترف كفيلة به السنوات الضوئية التي تقف حائلة بيننا وبينه، فهي توضح مدى المسافة التي تفصلنا عنه، ولهذا كل من ادعى أنه يحمل مثل هذه الأسئلة، نقول له ذكرت شيئا وغابت عنك أشياء، وأظنك قد تبدو أشبه بمن يضع العربة قبالة الحصان، ويرى ذلك من باب التجديد، فاضمن أولا سير حصان الحضارة ثم بعد ذلك ضع قبالته ما تشاء، حتى لو وضعت العربة بما حملت، ولكن يسير الحصان.!. نحن للأسف انشغلنا أين نضع العربة وتركنا ما هو أهم، وهو الحصان، فتحدثنا في كل شيء، وملأنا ساحاتنا الفكرية بالغث والسمين من الأسئلة، وادعينا أننا نحمل لواء الحداثة والتجديد، وكأننا قاب قوسين أو أدنى، من أن تكون لدينا كلمتنا الحضارية، ونحن في ما أظن قد لا يفرق الكثير منا بين ما هو داخل في سؤال الحضارة وما هو خارج عنه. خصوصا إن عرفنا أن مفتاح علم الحضارة يكمن في سؤالها. أتوقع القارئ الآن ود لو سألني وهو يكظم غيظه، كم من الوقت احتجت حتى تخرج بكل هذا الهجاء والجلد للعرب؟، فلقد مللنا من كل هذا، مللنا من كل من ينعتنا بكل نعوت التخلف والرجعية، وكأن الرجعية سمة العربي منذ أن خلقه الله على هذه الأرض!، أليس هناك رجعية غير الرجعية العربية يمكن الحديث عنها ومن ثم جلدها. ليس هناك جلد ولا يحزنون، بل ليس لأحد الحق أن يجلدك دون أن يكون هناك ذنب اقترفته، وكذلك ليس التخلف بضاعة عربية لم يعرفها غير العرب، ولسنا أول من جلد ذاته إن كنت تعتبر كل نقد هو جلدا للذات، فهناك من جلد ذاته قبلنا وبعدنا وهكذا هي الحياة لا تستقر إلا بحزن وفرح، ولكن هناك من عرف سؤال الحضارة وعض عليها بنواجذه وكلتا يديه، وهناك من عمل على نقيضه سواء بعلم منه أم بغير علم، والذي يعمل بغير علم قطعا لا تغني عنه نواجذه أو يداه شيئا!، لأنه تنكب ما هو نقيض لحركة التاريخ. كذلك ألا ترى أن جزءا ممن جعلنا في حيص بيص أسئلة الحضارة، أننا نحسب كل صيحة علينا هي العدو، أي تهدد خصوصيتنا وتراثنا، والجزء الآخر أو الأجزاء الأخرى لأننا لم نقدم لعالم اليوم نظرية واحدة، تضاهي ما قدمه الآخر للحضارة الإنسانية، ومن ثم تؤكد أننا نميز بين السؤال الحضاري واللاحضاري، فالمقدمة تنبئ بالنتيجة كما يقول أهل المنطق. قل لي أنت الآن أوليس تعرف الأشياء بأضدادها؟، أولا يكون جزء من معرفتنا بالحضاري أن نعرف ما هو نقيض له، حتى يكون سيرنا نحو المستقبل؟، لا أقول لا تشوبه شائبة، ولكن على أضعف الإيمان لدينا وعي حقيقي بمقاربة أسئلة الحضارة، وهو المقياس الحقيقي لنجاح أي تجربة حضارية، لهذا من هنا نستطيع أن نستشف لماذا لم يكن لدينا تراكم لأي تجربة حضارية، وأجهض الكثير من تجاربنا إما من المجتمع أو من حملوا المشروع أنفسهم؟.