نتحدث دائماً في فضاءات «الشعر الموازي» مسمّىٰ نتبناه، الذي كابد الصعوبات والتحديات الفكرية المتلاحقة وتصدَّى للمناوئين وفقاً لتوجهاتهم ومقاصدهم الظاهرة والباطنة خلال حقب زمنية متلاحقة وحتى حينه! ومع ذلك لم يخضع رأساً ولم يلن عوداً ولم ينثنِ أربابه و بُناة أسسه وكيانه حتى وصل إلى ما وصل إليه من مكانةٍ تأثيراً وتأثراً، وحقق ما حقق من منجز، رصداً وإبداعاً وتوثيقا. لم يأبه الآباء المؤسسون لهذا الفن الشعري الأصيل ولا من جاء بعدهم من شعرائه وناظميه خاصة أبناء البوادي بالتدوين والتصنيف وفلسفة المصطلحات ولكنها تأتي على السليقة فتعبّر بالبساطة والمصداقية بين متذوقيه ومتعاطيه والمتسامرين على أبياته وألحانه.. عندما يريدون سماعه يطلبونه من الشعراء أو الرواة، كشعر وإن استقل الشاعر شعره قال: عندي «اكلمات أو كليمات..» وليس كل من أعد الشعر عندهم بشاعر فلهم تصنيفهم التلقائي «شاعر، ناظم، قصّاد».. كما سمّوا طروقهم الشعرية تشبيهاً بما حولهم في بيئاتهم كالهجيني نسبة للهجن مع العلم بأن تنوّع طروق الهجيني أيضاً وفقاً لاختلاف إيقاع اخفاف الإبل أثناء سيرها بناءً على تضاريس أو وقت ممشاها بهم.،! فمثلا جمعوا بين مفردتي «الشخط» من مشخاط وهو الكبريت ومفردة «الشعط» وهي الاشتعال، فقالوا: شعط الشاعر أي قال شعراً جزلاً حماسياً له قيمته، ومنها قالوا عن القصيدة قصيرة الأبيات «المشيخيتة» وجمعها «امشيخيتات» وربما «مشاخيت» كوصف لها تعارفوا عليه وإلا فإنهم يَرَوْن أن كل أبيات محققة لمعنىً ما هي قصيدة سوى أكثر من سبعة أو أقل، ونحن نقول بذلك لأن الشعر مبنى ومعنى، فمتى ما استقام المبنى وتحقق المعنى فهو قصيدة. ولهم معايير صارمة، سنتناولها لاحقاً، جعلت الشعراء قلة فليس لكل أحدٍ القدرة على المواجهة بالقول إنه شاعر بناءً على ذلك ولمحددات اجتماعية وصفات شخصية في الناس تمنعهم من عرض أنفسهم للنقد السالب والتندر والاستهزاء، بخلاف هذا الزمن الذي اجتاحت فيه أمواج اللامبالاة كل مناحي الحياة.. والدليل قولهم بكل برود: «عادي..!»