بزيارة لموقع وزارة التعليم، ستجد أن هناك قائمة جديدة للجامعات المعتمدة للالتحاق في البعثة. عدد هذه الجامعات بلغ 100 جامعة، وستلاحظ أن هذه القائمة القصيرة تحتوي على أفضل 100 جامعة متميزة عالميا، ولأمريكا فيها حصة الأسد، يليها كندا وبريطانيا، كما ستلاحظ تواجدا محدودا لدول مثل أستراليا، السويد، الدنمارك، اليابان، ألمانيا، بلجيكا وهولندا. كما يلاحظ خلو هذه القائمة من الجامعات العربية جملة وتفصيلاً. المهم أنك ستلاحظ فوراً، وبقراءة سريعة، أن هناك 14 أو 15 جامعة في دول محددة، لا تشمل مختلف قارات العالم كما كان حاصلاً في زمن مضى، هي الجامعات المعتمدة للتعليم العالي.. بدءاً من جامعات بحجم هارفارد وستانفورد وييل. النتيجة: قائمة قصيرة تغنيك عن متاهة القائمة القديمة.. ورغم قصر هذه القائمة إلا أن هناك ما يجب الإطالة فيه حولها. الجديد في المسألة في رأيي، بخلاف التقليص المهول لعدد الجامعات "المعتمدة" على مدى سنوات مضت والتي كانت في كل دول العالم تقريباً وبأعداد كبيرة ورفع القيمة النوعية للابتعاث عبر انتقاء جامعات هي الأقوى والأفضل عالميا، هو أن هناك تقسيما مختلفا لفروع العلوم التي يمكن الدراسة فيها. فالقائمة الجديدة مقسمة إلى أقسام ثلاثة: أولا: قائمة الخمسين جامعة لتخصصات علوم الحاسب والتقنية. ثانياً: قائمة الخمسين جامعة في مجال علوم الحياة والعلوم الزراعية. ثالثا: قائمة الخمسين جامعة في مجال العلوم الإنسانية والإدارية والاجتماعية. كما تلاحظون اليوم، فإن الفرع الثالث لم يكن ضمن خطط التعليم العالي خلال السنوات الماضية، وفي العشر السنوات الأخيرة كان هناك انشغال بتخصصات محددة مثل التسويق والقانون على حساب تخصصات هامة مثل اللغات والفنون وعلوم الاتصال وغيرها من محفزات التنمية البشرية التي تأتي كحجر زاوية لا غنى عنه. وبغض النظر عن حاجة وزارة التعليم لتعريف الشاب السعودي بماهية علوم الحياة والتي تمتد من الهندسة الزراعية ومروراً بعلوم الصحة ووصولاً إلى هندسة الأنسجة البشرية، فإن عودة الابتعاث في مجال العلوم الإنسانية والإدارية والاجتماعية كان ملزماً، وهو ما تحدثت عنه في أكثر من مقال خلال مراحل ابتعاث سابقة، كما تناوله عدد من الكتاب السعوديين، خصوصا إذا نظرنا إلى أهمية تنمية الوعي الإنساني في ظل ما نمر به من ظروف، وحاجة مجتمعاتنا إلى عقول تمارس مهمة التنوير المقاوم للأثر الظلامي الممتد عبر عدد من التوجهات الفكرية المعادية للبشرية والإسهام المباشر في أنسنة الواقع الفكري، والمنعكس حتماً على حياة الإنسان العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص. كما تأتي هذه الخطوة كحافز كبير لدعم البيئات الأكاديمية السعودية بعناصر وطنية مؤهلة في تخصصات العلوم الإنسانية، وأرى فيها تعويضاً هاماً عن سنوات طويلة من التهميش، حين اكتفى كثير من الجامعات السعودية بمهمة استعارة الأكاديمي والباحث في العلوم الإنسانية من بيئات أكاديمية لا تعرف الكثير عنا.. ولا أظنها معنية بتقديم الكثير.