قدرت لي زيارة مهرجان «تسويق تمور الأحساء المصنعة»، المقام حاليا في الأحساء، ورغم قصر مدة الزيارة، لكنها تستحق الوقوف والتأمل. فالجهد الذي أثمر هذا المهرجان كان نتيجة تعاون كل من أمانة الأحساء والغرفة التجارية فيها، وهو تعاون نموذجي جدير بأن تحذو حذوه مؤسساتنا الحكومية والأهلية لتأصيل قيم التعاون بينها. وقد كنا ولا نزال ندعو للاستفادة من التمور تجاريا، بوضع خطط تسويقية طموحة، يفرضها الواقع الذي يمثل إنتاج مزارع النخيل في الأحساء لأطنان التمور المتنوعة والمختلفة في الجودة والحجم، بمسمياتها العديدة، وهي في معظمها مؤهلة للتصدير؛ إذا توفرت لها شروط الانتشار في سوق التمور ليس على مستوى بلادنا بل وعلى مستوى العالم، ومن أهم هذه الشروط: التصنيع التجاري بمستوياته المختلفة، وبأشكاله المناسبة. وفي هذا المهرجان ينبعث الأمل مجددا في فرص التسويق الناجح لتمور الأحساء، ففي الأحساء الآن ما يقرب من ستين مصنعا أهليا لتعبئة وتغليف التمور وبأشكال مختلفة، إلى جانبها عشرات المصانع المحدودة الطاقة والإنتاج، وجميعها تغذي السوق المحلية، وتزاحم غيرها في السوق الخليجية والعربية والعالمية، وقد أبرزت الأجنحة التي شارك أصحابها في هذا المهرجان، تفوقا ملحوظا في ابتكار علب وأدوات التغليف للتمور التي ظهرت في عبوات أنيقة، وبأحجام مناسبة، وبعروض مغرية، كان الإقبال عليها كبيرا من قبل رواد المهرجان، وقد جرت فيه صفقات تصدير لبعض دول الخليج العربية، وبمبالغ كبيرة، وهذا بداية النجاح لتسويق تمور الأحساء المصنعة على أعلى مستويات الجودة، وعلى أوسع نطاق، بعد أن كانت تمور الأحساء مقتصرة على ما يصدره مصنع تعبئة التمور التابع لهيئة الري والصرف، في إطار جهود المملكة لدعم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وتوزيع التمور على الجمعيات الخيرية والدول الفقيرة. ولسنا بحاجة للحديث عن المردود الاقتصادي لتسويق التمور، وهو إلى جانب مساهمته في دعم الاقتصاد الوطني ماديا، فهو أيضا يستقطب أعدادا لا يستهان بها من الأيدي العاملة، وللمرأة نصيب في هذا العمل، وهناك مصانع قائمة على جهد المرأة فقط، وفي جميع مراحل التصنيع والتسويق، وهو أمر يستحق الإشادة، لتسهم المرأة في تحسين مستوى دخل الأسرة، ولتشارك في التنمية الوطنية بالوسائل المتاحة، وهذه إحدى الوسائل المتاحة، في إطارها الاجتماعي، بما فيه من خصوصية وتميز. وقد وفرت أمانة الأحساء كل وسائل النجاح؛ ليظهر هذا المهرجان بالمستوى الذي يليق بالأحساء وأهلها. واهتمام الأمانة بالتمور، وحرصها على تطوير وسائل تصنيعه وتسويقه، أمر يسجل للأمانة، وهو أمر ليس غريبا على أمينها والعاملين معه، وسوف تكلل جهودهم -بإذن الله- بمزيد من النجاح، حين يتم تنفيذ بقية مراحل مشروع مدينة الملك عبدالله العالمية للتمور، وبالمستوى الذي يحقق طموح أبناء الأحساء في إنعاش سوق التمور تصنيعا وتسويقا، بعيدا عن الأساليب التقليدية المتعبة سابقا، والتي لا تؤهل تمور الأحساء للمنافسة التي تستحقها بجدارة مع بقية مناطق إنتاج التمور داخليا وخارجيا، وليس كثيرا على الأحساء أن تحتضن مدينة عالمية للتمور تراعى فيها (السعة ودقة التنظيم لآلية العرض والتسويق مع الأخذ في الاعتبار خطط التوسع المستقبلية والأبعاد الجمالية المحققة للتمايز الحضاري والجذب السياحي المناسب للطابع المميز للنخلة تراثا وذوقا) كما أعلن عن ذلك سابقا، وهو أمر يبعث الاطمئنان على مستقبل صناعة التمور في الأحساء، التي كانت ولا تزال سلة الغذاء الكبرى في الجزيرة العربية.