عند الحديث عن تحقيق سياسات التنمية المستدامة في برامج التنمية الاقتصادية الخليجية، يبرز أمامنا مشروع السكك الحديد الضخم الذي سوف يربط بين دول المجلس كنموذج تسعى دول المجلس لتنفيذ تلك السياسات بما يحقق أكبر المصالح للمواطنين والمجتمع، وخاصة فيما يتعلق ببرامج توطين مشاريع السكك الحديد. فما المقصود تحديدا بتنفيذ سياسات التنمية المستدامة في مشروع السكك الحديد الخليجي؟. في سبتمبر 2014 أطلق مؤتمر قمة الأممالمتحدة المعني بالمناخ أربع مبادرات عالمية حول النقل تهدف إلى وضع قطاع النقل على مسار جديد نحو مستقبل منخفض الكربون يوفر تريليونات الدولارات في تكاليف الوقود. بالتزامن مع ذلك، وعلى صعيد السكك الحديدية، أطلق الاتحاد الدولي للسكك الحديدية (UIC) – الذي يضم 240 عضوا في جميع أنحاء العالم بما في ذلك من أوروبا والصين وروسيا والهند والولايات المتحدة – أطلق "تحدي نقل السكك الحديدية المستدامة منخفضة الكربون" لتعزيز استخدام السكك الحديدية للشحن والنقل. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، فإن التحول إلى وسائل نقل مستدامة ومنخفض الكربون بحلول منتصف القرن يمكن أن يوفر على الحكومات والشركات والأفراد ما يصل إلى 70 تريليون دولار. وقد أظهرت الدراسات أن النقل المستدام يؤمن الحاجات الأساسية للأفراد والمجتمعات بشكل آمن وأكيد، سواء لناحية تنقل الأشخاص أو لناحية نقل البضائع، دون الإضرار بالصحة العامة ولا بالنظام البيئي ومصالح الأجيال القادمة، وهو بالتالي يعد الأكثر سلامة وأماناً والأقل إيذاء للأفراد والممتلكات؛ والأقل تلويثاً للهواء والمياه والتربة، والأقل إصداراً للضجيج، وبالتالي الأقل ضرراً للصحة العامة. كما إن من موصفات النقل المستدام أنه يعد الأقل إصداراً لانبعاثات غازات الدفيئة، وبالتالي الأقل مساهمة في حدة تغير المناخ والاحترار العالمي والأقل استهلاكاً للموارد الطبيعية، ومن ضمنها الوقود الأحفوري، وبالتالي فهو أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، ويستفيد من مصادر الطاقة المتجددة. كما يجب أن يتصف بقدرته على الوصول إلى المناطق الفقيرة والنائية، بهدف تهيئة ظروف مواتية للحركة العمرانية فيها، وتسهيل وصول الفقراء إلى مراكز العناية الصحية والمدارس والجامعات والأسواق، وتسهيل نقل المنتجات الزراعية وتسويقها، وتسهيل إنشاء المؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة ودعم قدراتها التنافسية، وتوفير فرص عمل في الريف، سعياً إلى القضاء على الفقر. ومن المهم كذلك أن يكون ذا تكلفة منخفضة بحيث يتمكن الراغبون في الانتقال إلى مراكز عملهم عبر شبكات ممتدة بين أماكن السكن ومراكز تلبية الحاجات. كما يجب أن يكون قادرا على تلبية الطلب عليه، مع فك الارتباط قدر الإمكان بين نمو الاقتصاد وتطور الانبعاثات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية في الحياة اليومية والغازات الدفيئة الصادرة عن قطاع النقل، فهو داعم للأنشطة الاقتصادية ومتكامل معها، دون أن تتزايد وتيرة استهلاكه للطاقة وإصداره للانبعاثات مع وتيرة النمو الاقتصادي والاجتماعي. ومن خلال التجارب العالمية التي يمكن الاستفادة منها، فإنه لكي تتصف مشاريع النقل بتلك المواصفات المستدامة وتحقق أهداف التنمية المستدامة فإنه يتوجب اتخاذ سلسلة من السياسات والتدابير سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي. فعلى الصعيد الاجتماعي، تستهدف السياسات والتدابير المنفذة تعظيم إنتاجية الموظفين وكفاءة العمل وتوظيف الموظفين من ذوي الكفاءة ووضع البرامج التدريبية التي تشجع بروز القادة والمهارات العالية والحفاظ على بيئة عمل آمنة. كما يجب أن تستهدف النهوض بالموظف كمواطن صالح في المجتمع وأن تطلق مجموعة من المبادرات التي تلبي توقعات مختلف شراء المجتمع والتقليل إلى الحد الأدنى أي تأخيرات أو اخطاء والحفاظ على كافة وسائل الأمان والحماية والراحة. أما في المجال الاقتصادي، فإن السياسات والتدابير المتصلة بالاستدامة لمشاريع السكك الحديدية يجب أن تعمل على تحقيق تعظيم القيمة الاقتصادية والعائد الاقتصادي للمشروع بالنسبة للمجتمع وتخفيض الدعم والاعباء التي يتحملها دافع الضريبة للمشروع وتشجيع الاستثمار في المشروع من خلال مشاركة القطاع الخاص. وفي المجال البيئي تعمل السياسات والتدابير المنفذة على تخفيض استهلاك الطاقة في خدمات النقل، حيث يساهم النقل الجماعي ومنها وسائط النقل السكك الحديدية في تقليل الحاجة إلى خدمات النقل الفردية سواء للتنقل الفردي أو لنقل البضائع مما يقلل استهلاك الطاقة وإنشاء شبكات مواصلات حديدية وفق المعايير البيئية بحيث يتم الاستغناء جزئياً عن استعمال الوسائط عالية الاستخدام للمحروقات. كما تعمل على الاستعاضة عن نقل المحروقات وغيرها من المواد الضارة بالبيئة من مواقع إنتاجها إلى محطات السكك الحديدية بإنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية بالقرب من هذه المواقع، ونقل الطاقة الكهربائية عبر الشبكات المنشأة وفق المعايير البيئية، عندما تتأكد الجدوى الفنية والاقتصادية. وفي المجال البيئي كذلك، تستهدف تلك السياسات والتدابير استهلاك المواد والمعدات والمنتجات المحلية تفادياً لنقلها عبر مسافات كبيرة. وينبغي هنا لفت النظر إلى ما حصل في الماضي، وما يحصل حالياً من نقل المواد الأولية والمواد المرغوب بتدويرها من البلدان النامية إلى البلدان الصناعية و/أو الناشئة، لتصنيعها، ثم إعادة نقلها مجدداً إلى البلدان النامية، وبالتالي ضرورة دراسة هذا الواقع بهدف التقليل من مثل هذه الممارسات قدر الإمكان. كما تعمل تلك السياسات والتدابير على تقصير المسافات الواجب عبورها بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول. ومن الممكن تحقيق ذلك عبر تخطيط شبكات السكك الحديدية المناسبة، والمسارات المباشرة مع إنشاء محطات التسفير والتجمع على مداخل المدن بشكل مدروس وفق خطط تنظيم مدني متكامل. وهذا يرتبط بدوره بالعمل على تخفيض الوقت اللازم لعبور مسافة محددة ويقصد بذلك تأمين الانسياب المروري لخطوط السكك الحديدية من دون عرقلة. ومن المعروف حالياً أن من أكثر ما تعانيه عواصم بلدان الإسكوا، خاصة القاهرة ودمشق وبيروت وعمان هو زحمة المرور داخل هذه المدن وعلى مداخلها، بحيث تضطر المركبات إلى البقاء ساعات أحياناً لعبور بضعة كيلومترات، مع ما يرافق ذلك من هدر للوقت واستهلاك زائد للمحروقات وانبعاثات إضافية وتلوث يفوق الحد المقبول. اتصاف مشاريع النقل بالمستدامة يتوجب اتخاذ سلسلة من السياسات والتدابير