قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد الغامدي إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من شرقها إلى غربها لا يجوز لها أن تيأس ولا أن تبتئس بما يفعله الكائدون والطغاة المجرمون، ولا ينبغي لها أن تقع فريسة الإحباط واليأس المهلك الذي يشل تفكيرها ويعطل طاقاتها وقدراتها ويفقدها الأمل والرجاء، بسبب ما تشاهده وتسمعه كل يوم من مشاهد الأسى والألم والقتل التي تسهم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة مساهمةً فعالة في نشره لتزيد من معاناة المسلمين إرجافاً وإرهاباً وإضعافاً. وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة أمس بالمسجد الحرام: «تمر أمة الإسلام اليوم بمرحلةٍ تاريخية غير مسبوقة، حيث تتوالى الأحداث الضخام والمتغيرات السريعة التي تدع الحليم حيراناً ويزداد كيد الأعداء، وتربصهم؛ مما جعل اليأس والوهن يسري في قلوب كثير من أبناء الأمة ودبَّ إلى بعضهم الحزن والشعور بالإحباط والعجز، وهم يرون مكر الحاقدين وقوتهم وجلدهم، ويشاهدون صور القتل والدمار والتشريد، مع تلبس نفر من أبناء الأمة بأفكار الخوارج والتفجير والتكفير حتى تكونت عند فئات من الناس صورة قاتمة كئيبة لحال الأمة الإسلامية ومستقبلها، وأحاطت بهم خيالات الوهم المحبط والهزيمة النفسية، ولقد حذرنا الله في آيات كثيرة من الوقوع في حالة الوهن هذه، والشعور باليأس والحزن». وقال: لا يجوز أن تشعر الأمة باليأس وقد بشرها الله تعالى بالعزة والنصر والتمكين وخصها بخصائص كبرى وفضائل عظمى، ليست لأحد من الأمم مما يجعلها تفخر بتكريم الله لها، وأن الأمة المحمدية هي التي يحبها الله ويعلي قدرها، وهي الأمة المنصورة شرعاً وقدراً عاجلاً أم آجلاً، وأن ما أصابها من بلاء ومحنة وتسلط الأعداء ونقص في الأموال والأرزاق إنما هو تمحيص ورفعة وتربية لها لتقوم بما وكلها الله به. وبين الدكتور الغامدي أن الأمة المحمدية هي أمة الوسط والعدل، جعلها الله شاهدة وحاكمة على الأمم، وهذه الأمة المباركة اختار الله لها دين الإسلام ورضيه لها، وهو أعظم الأديان يسراً وسماحة ومحاسناً، ورفع عنها الحرج في العبادات والمعاملات، ووضع عنها الأغلال والآصار والرهبانية الشديدة التي كانت على الأمم قبلنا، ومن كرامتها على الله أنه عصمها من أن تجتمع على ضلالة وحفظ عليها دينها وقرآنها وسنة نبيها فصمدت صموداً عجيباً في وجليها أمام كل محاولات الغزو الفكري والثقافي والأخلاقي، ولم يستطع أحداً أبداً على مر العصور والدهور أن يتمكن من تحريف القرآن والسنة لا لفظاً ولا معنى، ومن حاول ذلك فضحه الله ورده يائساً بائساً، ومن عناية الله بهذه الأمة ورعايته لها أنه يبعث لها على رأس كل مائة سنة من الحكام والعلماء والمصلحين من يجدد لها دينها ويذكرها بما اندرس من أصول الملة والشريعة، أما غيرنا من الأمم فلا يأبه الله بهم فلذلك وقعوا في التحريف والتبديل والضلال. وأكد إمام المسجد الحرام أن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكراماتها أكثر من أن تحصى والحديث عنها حديث نافع ومفيد لكي نشكر الله شكراً عظيماً ونثني عليه الثناء الكبير أن أكرمنا فجعلنا من هذه الأمة -أمة محمد عليه الصلاة والسلام-، فهي والله من أجل نعم ربنا علينا التي تستوجب الشكر الدائم لله سبحانه والتفاؤل والاستبشار، وهي نعمة لها تبعات ومسؤوليات عظيمة، فخيرية هذه الأمة حق ثابت والمسؤولية ملقاة على أبناء هذه الأمة ليروا الله من أنفسهم خيراً، ويظهروا بالمستوى اللائق بهذه الخيرية وهذا التكريم الرباني ويقوموا بالدين وينشروه في العالمين بالوسطية والاعتدال والسماحة ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولا يكونون كالذين اصطفاهم الله ثم أعرضوا وجحدوا نعمة الله عليهم وسعوا في الأرض فساداً، فغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، ولا يجوز أن يتخذ البعض مما ذكر من الفضائل متكأ لمزيد من الخمول والضعف والتخاذل فإن للنصر أسباباً، وللتمكين أسباباً وللخيرية أسباباً، كما أن لنزول العذاب والعقاب أسباباً، وتلك سنة الله الجارية التي لا تتبدل ولا تتغير.