أستاذنا وشيخنا الفاضل (أبو إيمان) عبدالرحمن بن عثمان الملا، صاحب القلب الكبير والخلق الكريم، أهدى ديوانه الأخير (أغاني الهزاز) إلى كل من قلبه روض للطيور والزهور، وكأنه أهداه إلى معارفه ومحبيه وأصدقائه المقربين، وهذا الإهداء يعكس جانباً مضيئاً من شخصية الأستاذ. فمن عرف شيخنا سيرى ويلمس بنفسه أن قلب (أبو إيمان) روض للزهور والطيور والفراشات الملونة بألوان قوس السحاب، وإن من أسعده حظه وعرف الشيخ سيتذوق تلك الحميمية الدافئة والألفة العجيبة في شخص الأستاذ وخلقه. لقد سعدت بحضور مجلس الشيخ أحمد بن علي المبارك -رحمه الله- وكان هذا المجلس الشامخ يعج بالأساتذة الكبار في كل فن. وتجد الشيخ عبدالرحمن يبحر مع كل نحرير فتجده يعزف على كل الأوتار الحاضرة ويتناغم مع الجميع: الطبيب والشاعر والفيلسوف ورجل الدين وعالم التاريخ وعالم الفلك والجغرافيا، موسوعة حية يبهرك علمها، وما حوته من معارف، وها هو اليوم يخرج لنا (أغاني الهزار) ديوان شعر حوى أكثر من عشرين قصيدة من القصائد الطوال، سكب خلالها مشاعر الرجل الوفي لأصدقائه وأهله وكأنه ديوان من الإخوانيات القريبة إلى قلبه، ويبدأ شاعرنا الهمام ديوانه بقصيدة عصماء عنونها ب (واحة حب) حفلت هذه القصيدة بأسماء كثيرة من المقربة من الشيخ وهمشها بترجمات موجزة عن أصحابه وصلت إلى خمسين شخصية.. وهذا الديوان تميز بصيغة نادرة، ألا وهي مناسبة القصيدة، فأنت حين تقرأ القصيدة تتنزه في مروج خضراء يانعة الثمار عبقة الأزهار لا تمل ولا تكل؛ لظرفها وتنوعها وترابط أسلوبها، ومما يقف القارئ عنده وقفة إعجاب وحب واحترام تلك الأبيات التي خاطب فيها الوجيه الشاعر عبدالعزيز البابطين. تلك التي خلت من التزلف والتملق وطَهُرت من النفاق وتزينت بالوفاء الجميل. فاسمعه تحت عنوان (تحية) يقول: من شاء يكتب في المكارم والوفا فليعرفن للبابطين مواقفا فله بكل مبرة يد منعم في المكرمات حربة أن تقتفى ويحلق في خمائل البابطين رجل الخير والبذل والعطاء فيقول: وبمهرجان الشعر تحت لوائه بالمبدعين وبالمواهب يُحتفى إشارة إلى الجوائز الأدبية إذ قال: وبكل قطر من نداه سحابة تهمي فتنبت فيه ريفاً أريفا للعلم والإبداع كرس جهده فبنى المدارس والمعاهد واصطفى من مسلمي البلقان أنبغ فتية ليُعِدَ منهم مِشعلاً ومعرِّفا بمناقب الإسلام في تلك الربى لتعود شمس الدين بالغة الصفا ولوفائه النادر في هذا العصر الزاخر بالترهات والجحود لم ينس الشيخ أصدقاءه وأحبابه. فها هو يودع صديقه الشيخ (أبو طارق) أحمد الموسى -رحمه الله- عندما سافر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للعلاج فيقول: سافرت يا أصدق الإخوان فاتقدت إلى لقاك شموع الشوق في كبدي فقد تركت فراغاً ليس يملؤه إلا رجوعك للأصحاب والولد في ثوب عافية وفراء تلبسها مدى الحياة بأمر الواحد الأحد الديوان زاخر كالبحر باللآلئ والدرر والوفاء. ولكن بقي أن نعرف من هو الشيخ ؟! إنه عبدالرحمن بن عثمان بن محمد آل ملا، ولد بمدينة الهفوف بمحافظة الأحساء بالمملكة العربية السعودية حصل على شهادة الليسانس من كلية اللغة العربية بالرياض عام 1385ه، ودبلوم في التربية الخاصة من كلية التربية التابعة لجامعة عين شمس في القاهرة 1396ه، كما التحق بسلك التعليم بوزارة المعارف 1386ه، وحصل على التقاعد المبكر 1414ه بناء على رغبته. كان رئيساً لنادي الأحساء الأدبي لفترة، ثم استقال لكثافة التزاماته، شارك في الحركة الأدبية والعلمية بمؤلفات نشر منها: تاريخ هجر، الحركة الفكرية واتجاهاتها شرق الجزيرة العربية وعمان، تاريخ الإمارة العيونية في شرق الجزيرة العربية، ديوان شعر بعنوان أغاريد من الخليج. شارك في تأليف كتاب آثار المنطقة الشرقية من سلسلة آثار المملكة العربية السعودية، إصدار وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف إضافة إلى بحوث أخرى تذكر له فتشكر. الشيخ عبدالرحمن أكبر من كلمة تنشر فالمعروف لا يُعرَّف، فهو: كالبحر يقذف للقريب جواهرا جوداً ويبعث للبعيد سحائباً.. حفظ الله شيخنا وأمد في عمره في صحة وطاعة.