يصعب فهم التدين في الصين، فالصينيون ينظرون تقليدياً إلى الأديان بنظرة مختلفة، فمعتنق الدين هو الراهب أو رجل الدين فقط، أما العامة فيمكنهم ممارسة شعائر أكثر من دين، ولا يعتبر ذلك دخولاً فيه أو خروجاً من غيره. ويقوم التدين الشعبي على طقوس تقديس الأسلاف والاعتقاد بالأساطير والأرواح الشريرة وعبادة السماء، وهي تختلف من مكان لآخر ومن عصر لآخر. ولم يكن في الصين ديانة موحدة أو منظمة لها معابدها إلى أن دخلت البوذية إلى الصين قادمة من الهند عبر طريق الحرير. وكانت نشأت البوذية أصلاً كفلسفة صوفية في الهند، لكنها تحولت إلى ديانة منظمة فيما بعد. وعند دخولها إلى الصين قوبلت بداية بالرفض لكونها أفكارا دخيلة على مجتمعهم ولم تنشأ فيه. لكنها سرعان ما تأقلمت مع المجتمع الصيني وتشكلت بطباعه. أثر انتشار البوذية على الفلسفات الداوية والكونفوشية وحولهم إلى أديان منظمة كذلك، ومرت هذه الأديان بمراحل من العداء والتنافس ثم التداخل، وأصبح البعض ينظر لها فيما بعد كصور متكاملة وسميت بالتعاليم الثلاثة. دخل الإسلام إلى هذه البيئة عن طريق التجار القادمين من خطوط التجارة البحرية وطريق الحرير. وبحسب المكتوب على حجر الشاهد في المسجد الكبير في مدينة شيآن، فإنه بني في عام 742 ميلادي (حوالي عام 125 هجري) مما يعني أنه أحد أقدم المساجد في الصين. والبناء الموجود حالياً ليس هو الأصلي وإنما تمت توسعة المسجد في عهود لاحقة وبأمر عدد من الأباطرة من السلالات المختلفة، وتصنفه الحكومة حالياً كأحد المواقع السياحية الأثرية التي تتعهد بالحفاظ عليها. ويشغل مساحة 13 ألف م2، وهو مبني على الطريقة الصينية التقليدية ويشبه المعابد البوذية. ففي مدخله توجد بوابة خشبية كبيرة مزخرفة، وينقسم إلى أربع ساحات تفصلها جدران وبوابات، ويحيط بها عدد من المباني التي تستخدم لأغراض مختلفة من استقبال الضيوف وقاعات للدروس وغرفة الوضوء، وتضم حديقة جميلة. ولا توجد مئذنة تقليدية على طرف المسجد، لكن في وسطه مئذنة مبنية من طابقين على شكل الأبراج الصيني المسماة «باقودا». ويتميز المسجد عن غيره من المباني الصينية بوجود زخارف إسلامية وكتابات عربية منها أدعية وآيات، وكذلك بعدم وجود زخارف أو تماثيل بأشكال حيوانات. باستثناء التنين وأبنائه التسعة، وللتنين أهمية رمزية كبيرة في الثقافة الصينية فهو شعار للإمبراطور، وترمز العنقاء (أو الفينيق) إلى زوجة الإمبراطور. وتنتشر أسطورة قائلة بأن للتنين تسعة أبناء كل منهم له تخصصه! فأحدهم شكله مثل السلحفاة ويحب حمل الأحجار الثقيلة، ولذلك يستخدم في حمل لوحات منقوشة في زخارف وكتابات مختلفة، بعضها عربية تتحدث عن السلام والتعايش، وبعضها زخارف فنية لبعض أشهر الخطاطين الصينيين وتعتبر من أهم الآثار الفنية، وتدعو إحداها لأن تعم البوذية العالم! وأحد أبناء التنين الآخرين يحب تسلق المباني العالية وتوجد زخارف بشكله على أسقف بعض المباني. وإحدى الساحات مسقوفة ببناء جميل يسمى بناء الإله الواحد، كأنه عنقاء تفرد جناحيها. والاستثناء الوحيد من التماثيل الحيوانية هو مبنى المسجد نفسه حيث توجد على أطراف سقفه التماثيل الصغيرة التي يعتقد بأنها تحرسه! تتسع قاعة المسجد الرئيسية لألف مصل، وتقام فيه الجمع والصلوات الخمس. وتوجد داخل المسجد خريطة أثرية لمكة على أحد الجدران، إضافة إلى كتابة القرآن كاملاً على الجدران، ومن المبهج أنني وجدت نسخا من المصحف من طباعة مجمع الملك فهد في المدينةالمنورة.