العيون الغيورة على مستقبل هذا الوطن تتطلع باهتمام نحو إطلاق برنامج أرامكو السعودية المعروف باسم (اكتفاء)، والهادف إلى تعزيز القيمة المضافة لقطاع التوريد، والذي تفضّل بتدشينه الثلاثاء أمير المنطقة الشرقية وقلبها النابض بالحب.. صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وذلك في مقر الشركة بالدمام. يأتي هذا الاهتمام في سياق ما نسعى إليه جميعاً كإعلاميين للتعريف بالتوطين من خلال مفهومه الأشمل، والذي يأتي بأفضل حالاته عندما يتم تفعيل سياسة اقتصادية تستهدف خلق قطاعات إنتاجية وطنية (سلعية أو خدمية)، تعمل بها الأيدي السعودية، بالتزامن مع تمكين هذه الاستراتيجية من الوفاء بمتطلبات الأجهزة الحكومية وشركات القطاعات الاستراتيجية، لإحلال المنتجات الوطنية محل الواردات، وهي السياسة المعروفة عالمياً ب "سياسة المحتوى المحلي". ولفت انتباهي خلال حديث عدد من قيادات "أرامكو" السعوديين في ندوة صحيفة "اليوم" أرقام جديدة وإحصاءات تدفع للتمسك أكثر بتطبيق استراتيجية وطنية جديدة لتحقيق التوطين بشكله المثالي المنشود. وفي التقرير الذي أعده الزميل محمد النومسي كشف حديث القيادات السعودية في أرامكو أن هناك مشهداً جديداً بحلول العام 2021م، حيث سيصل الاعتماد على التوريد المحلي (دون الحاجة إلى الاستيراد) إلى 70%، الأمر الذي سيقود فعلياً إلى خلق فرص وظيفية مباشرة وغير مباشرة تقدر ب500 ألف وظيفة. مهلاً، هذا ليس كل شيء، فالحديث هنا عن "أرامكو" يا سادة يا كرام! أرامكو التي استطاعت فعلياً أن تدرب وتؤهل 400 شاب سعودي في قطاع الإنشاءات في جيزان، وهناك خطوات مماثلة قادمة في عدة مناطق بالمملكة، ومنها حفر الباطن، لتدريب وتأهيل الأيدي العاملة السعودية في قطاع البناء والتشييد. وبالعودة إلى نصف المليون وظيفة المتاحة للسعوديين، تؤكد أرامكو أن برنامج اكتفاء يمهد لخلق أكثر من 280 ألف وظيفة مباشرة للسعوديين والسعوديات خلال السنوات العشر المقبلة. نكتشف اليوم أن كل هذا ممكن بسبب التوجه الجاد نحو توطين السلع والخدمات محلياً، وبالتالي إيجاد فرص عمل للمئات من الشباب السعوديين. وكل هذا ممكن أيضاً عندما نعترف بأهمية المؤسسات السعودية الصغيرة والمتوسطة (حاضنة الوظائف الجديدة)، ولدى أرامكو السعودية برنامج يسمى "واعد"، تم من خلاله رصد مليار ريال (تقريباً) لتنمية وتطوير هذه المنشآت بالمملكة، مع التوجه لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بالشراء المباشر منهم كموردين محليين. وهنا نتأكد معاً، ومن جديد، أنه لا سبيل لحصر "التوطين" في التوظيف فقط، بل من خلال استراتيجية اقتصادية وطنية شاملة، تهدف إلى تحويلنا إلى مجتمع منتج للسلع وموفّر للخدمات عبر مؤسسات متوسطة وصغيرة، وهي الأقدر في ظل انشغال المؤسسات الضخمة باستراتيجيات إنتاجية وخدمية طويلة المدى عبر عقود ممتدة ومتتالية. ولا غنى لهذه المنشآت العملاقة عن الالتفات إلى المؤسسات الأصغر وتكليفها بجزء من المهمة. دعونا نتفق معاً أن الوظائف لا تأتي بالتمني.. كما لا تصنعها الصدفة، لهذا لا يمكن قصر التوطين على التوظيف، بل أن يكون التوظيف نتاجاً للتوطين، وسيحدث هذا عندما يكون للاقتصاد الوطني الحقيقي دور في صنع كل هذه التحولات.