أتذكر عام 1403ه عندما كنت في سنواتي الأولى في جامعة الملك سعود، وأعمل صحفياً بجريدة الرياض، وانتدبت إلى مدينة الطائف في الصيف لأعمل ملحقا صحفيا عن الطائف، التقيت بأمين مدينة الطائف حينها الدكتور حسن حجره لكي أعمل استطلاعاً صحفياً عن الطائف حينها طلب مني أن أرافقه في الصباح الباكر لجولة اعتاد عليها يومياً ثم يعود إلى مكتبه بعد أن كتب ما لاحظه من ملاحظات ومتابعته لملاحظات سابقة . أحببت أن أسرد هذه المقدمة للإشارة إلى أن العمل الخدمي وبالذات البلدي يحتاج إلى القائد المتجول الذي يرفض التسمر في كرسي المكتب لصالح تلمس حاجات ومطالب الناس وتقييم أداء إدارته على أرض الواقع وليس من خلال التقارير أو من خلال ردود الأفعال للانتقادات الصحفية أو من خلال وسائل الاتصال. اليوم هناك انطباع بأن القائد المدير الذي يمتلك السلال من المعاملات على مكتبه بأنه شخص منتج... ولكن العكس صحيح فهذا يعني أنه شخصية مركزية ويعاني من ضعف في اتخاذ القرار بسبب التأجيل والوسوسة والتسويف، كذلك ضعف مستويات التفويض ومنح الصلاحيات وهذه من الأمور التي تدمر أي مؤسسة خدمية من الداخل وتفقدها التأثير والفعالية. التميز لا يتم لأي مؤسسة إلا من خلال المبادرات ورفع مستوى المتابعة وبخاصة الملاصقة بالجمهور... والحوار مع المجتمع وناشطيه وإبرام شراكات واقعية تحدث تغييرا على الأرض، فالتعامل اليومي مع الأوراق العادية لا يعطي التميز لأي مؤسسة بل التميز هو أن نجد باستمرار ما هو جديد سواء على مستوى تطوير آليات العمل أو اختصار الإجراءات أو عدم تكرار المشاكل وتنمية المسؤولية وروح المتابعة لدى العاملين، وهذا كله لن يأتي إلا من خلال وقوف المدير أو القائد على بيئة الخدمة أو العمل بنفسه وينظر بعينه ديناميكية التفاعل البشري، سواء على المستوى الإنساني أو مع الموارد وكيفية استغلالها الاستغلال الأمثل. مثل هذه المناهج السلوكية في الإدارة كانت مطبقة سواء في عهد الخلافة الراشدة عندما كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يتجول ليلاً ونهاراً يتفقد أحوال الناس من منطلق: كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته، وحتى في عصرنا الحالي ويمكن تطرقي في بداية المقالة لنموذج الدكتور حسن حجرة يؤكد أهمية هذا المنهج في إدارة الخدمات العامة ورفع مستوى جودتها وكان هناك بعض الوزراء كالدكتور غازي القصيبي- رحمه الله- من يؤمنون بهذه الطريقة في الإدارة، وقد حققت نتائج ملفتة للانتباه وطورت الكثير من الخدمات وعززت العلاقة مع الناس.