«في يوم صحيت شاعر براحة وصفا.. الهم زال والحزن راح واختفى.. خذني العجب وسألت روحي سؤال.. أنا مت؟ والا وصلت للفلسفة؟ يدفعك الشاعر المبدع صلاح جاهين بشعره هذا الى طرح اسئلة عديدة: هل من لوازم الحياة انعدام الراحة والصفاء؟ وهل الحزن رفيق دربها ان لم يكن ظلها؟ وهل الوصول الى الفلسفة شبيه بالموت حيث زوال الهم والحزن؟ هل يسخر جاهين من الفلسفة حين يشبهها بالموت؟ أم يقدسها لأن الوصول اليها وصول الى الراحة وصفاء الفكر؟ الفلسفة طوال تاريخها المديد كانت هدفا للسخرية والتقديس معا.. لقد مر الفكر الفلسفي بعقبات سوداء من حرق الكتب وملاحقة الفلاسفة بالقتل او الاضطهاد والخوف بدءا من سقراط مرورا بابن رشد حتى ديكارت ورواد عصر الانوار.. وهذا هو راشد الغنوشي يدعو الى الغاء دراسة الفلسفة في المدارس التونسية واحلال نصوص من حسن البنا والمودودي وسيد قطب محلها.. ومع ذلك بقيت الفلسفة أمًا للعلوم وضوءا على طريق العقلانية في جميع العصور. ويأتي السؤال: لماذا هذا العداء للفلسفة؟ وللوصول للاجابة الواضحة للنظر من هم اعداؤها؟ اول عدوين شرسين لها هما الجهل وأخوه الشقيق التخلف.. اما ثاني الاعداء فهم من يسيرون خلف غبار الغزالي لأنهم ينطلقون من نصوص مستقرة و«العلم المستقر كالجمل المستقر» كما قال احد الصوفيين.. وهي لا تنطلق من نصوص.. بل من ايقاد الوعي والبحث عن الاسباب وطرح المفاهيم المتعلقة بالحياة. اما ثالث الاعداء واشدهم فتكا فهم الطغاة في جميع العصور لأنها تفتح وعي الناس على بؤسهم وتدفعهم الى محاولة التغيير.. والطغاة يرفعون في وجوههم الشعار «ليس في الامكان أبدع مما كان» في محاولة لابقائهم في مستوى القطيع. هل تعرف عدوا رابعا للفلسفة غاب عن ذهني؟ اظنك ستقول: ان بعض الفلاسفة الذين ابعدوا الفلسفة عن الارض واستسلموا لأجنحة الخيال هم العدو «المستتر» الرابع.. وأنت مصيب في هذا لأن طلب العلم لذاته كان نهجا قديما وضع بعض الفلاسفة لاغرائه.. اما في زماننا هذا فالعلم هو الذي يفتح آفاق الحياة ويطورها.