كان هناك تناقض يحير الأفهام. لم يكن الموضوع مثيرا للريبة، ولكنه كان بحاجة إلى تفسير. سيارات فولكس فاجن كانت تنفث غازات العادم الضارة حين كان المراقبون يجرون عليها الاختبارات على الطرق العامة. لكن في المختبر كان كل شيء على ما يرام. كان هناك تباين في الاختبارات الأوروبية على موديلات سيارات الديزل من فولكس فاجن، وهي باسات وجيتا، وكذلك بي إم دبليو إكس 5. وهنا خطرت فكرة على بال بيتر موك. موك هو العضو المنتدب الأوروبي لمجموعة تهتم بالبيئة والهواء النظيف. وقد اقترح إجراء الاختبارات مرة أخرى في الولاياتالمتحدة، على اعتبار أنها تطبق معايير أعلى بخصوص الانبعاثات من أي بلد في العالم ولديها تاريخ في فرض قراراتها. لذلك كان موك، وجون جيرمان، العضو المنتدب الأمريكي، على ثقة من أن السيارات سوف تجتاز اختبارات الانبعاث الأمريكية. وقال جيرمان: «لم يكن لدينا سبب للارتياب. كنا نظن أن السيارات ستكون نظيفة.» وهكذا بدأت سلسلة من الأحداث التي كانت نتيجتها اعتراف فولكس فاجن بأنها وضعت برنامج كمبيوتر «في جهاز يتغلب على الاختبارات» في نصف مليون سيارة من سياراتها التي تعمل بالديزل من 2009 إلى 2015، حيث كانت هذه السيارات تقوم بالغش بصورة آلية في اختبارات تلوث الهواء الأمريكية. شركة فولكس فاجن، ثاني أكبر شركة للسيارات في العالم، تواجه الآن غرامات تبلغ 18 مليار دولار، مع احتمال أن يُسجَن التنفيذيون فيها، إلى جانب إلغاء خطط توسع الشركة في الولاياتالمتحدة. قال مارتن فينكرتون، الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن في بيان قبل يومين: «أنا شخصيا أشعر بالأسف العميق لأننا قمنا بخيانة ثقة زبائننا وثقة الجمهور. سوف نعمل كل ما يلزم من أجل إزالة هذا الضرر الذي نشأ عن ذلك.» التأكد من التلاعب بالانبعاثات قالت فولكس فاجن إنها تتعاون مع التحقيقات التي تجريها الأجهزة التنظيمية وأنها أمرت بإجراء تحقيق خارجي خاص بها. المشكلة هي أن جيرمان وموك كانا يحاولان إثبات ما كانت تدعيه فولكس فاجن منذ سنوات، وهي أن سيارات الديزل نظيفة. قام المختصون بالاختبار بقيادة سيارات الديزل المزودة بمجسات المراقبة من سان دييجو إلى سياتل، وهي مسافة تبلغ 2000 كيلو متر تقريبا. وقال جيرمان إنه إذا كانت فولكس فاجن قد تلاعبت باختبار الانبعاثات، فإنهم لم يستطيعوا معرفة الطريقة التي تم بها ذلك. وقال إنه في قضية غش سابقة قبل بضع سنوات، تم تزويد الشاحنات التي تعمل على الطرق الطويلة بأجهزة تسمح للمحركات بالتدريج بإطلاق كميات متزايدة من أكسيد النيتروجين الضار كلما طالت المسافة التي تقطعها الشاحنة بالسرعة نفسها. وبصورة عامة كلما زادت الانبعاثات زادت قوة المحرك. وبالتالي فإنه عند قيادة السيارات مسافة 2000 كيلو متر تقريبا، وتحت ظروف مختلفة، فإن أي مخطط للتلاعب سوف يظهر أثناء القيادة. في هذه الأثناء، أجرى «مجلس كاليفورنيا لمصادر الهواء» الاختبار على السيارات في مختبراته ونجحت السيارات في الاختبار. ثم بدأت تأتي نتائج الاختبارات الفعلية على الطريق. وقال جيرمان: «لقد ذهلنا حين رأينا الأرقام.». على الطريق، تجاوزت سيارة جيتا الرقم المقرر المقبول لانبعاثات أكسيد النيتروجين بمعدل ما بين 15 إلى 35 مرة. أما سيارة باسات فقد تجاوزت الرقم المقبول بمعدل ما بين 5 مرات إلى 20 مرة. وقال جيرمان: «لقد صُعِقنا من النتائج.» من جانب آخر نجحت سيارة إكس 5 في اختبار الطريق. وقد قررت وكالة حماية البيئة في الولاياتالمتحدة فتح تحقيق في سيارات فولكس فاجن في مايو 2014، وفقا لما جاء في رسائل نشرت يوم الجمعة الماضي. واستمرت المحادثات بين الطرفين لعدة أشهر، حيث قالت الشركة إنها استطاعت تحديد الأسباب وراء الانبعاثات الأعلى واقترحت طريقة لإصلاحها. وأدى هذا إلى استدعاء حوالي نصف مليون سيارة في الولاياتالمتحدة في ديسمبر من أجل إصلاح البرنامج الملحق بالمحرك. وفي كاليفورنيا واصل الجهاز التنظيمي المختص بالبيئة إجراء الاختبارات على سيارات فولكس فاجن بعد أن بدأ استدعاء السيارات. حيث كان المسؤولون يشعرون بالقلق من أن إصلاح البرنامج لم يكن ناجحا لتحقيق الأثر المطلوب. وبالفعل تبين أن انبعاثات أكسيد النيتروجين كانت لا تزال تخالف القوانين الأمريكية وقوانين ولاية كاليفورنيا. وفي الثامن في يوليو أرسلت كاليفورنيا هذه النتائج إلى وكالة حماية البيئة وإلى فولكس فاجن. وقالت وكالة حماية البيئة: إن «فولكس فاجن اعترفت بأنها صممت وركبت جهازا للتغلب على الاختبارات في السيارات المذكورة، على شكل برنامج يستخدم خوارزمية متطورة كانت تكتشف حين تكون السيارة قيد الاختبار في المختبر (وبالتالي كانت تتلاعب في النتائج).»