هل يولد الكاتب أم يصنع؟ هل الكتابة موهبة محضة أم أنها علم ودربة وتدريب وممارسة موجهة؟ الفكرة السائدة لدى كثيرين (وأنا واحد من هؤلاء) أن الكتابة بالدرجة الأولى موهبة، تولد مع الكاتب، مثلها مثل أي موهبة أخرى، كالمواهب الفنية والموسيقية والحركية والرياضية. ولكن هناك من يرى ويؤمن بغير ذلك فيما يبدو. ففي دول الغرب، وفي الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص، هناك الكثير من البرامج المتخصصة والدرجات العلمية التي تقدمها كثير من الجامعات، والتي يحرص على ارتيادها والحصول عليها من تمنّيهم أنفسهم بالولوج إلى عالم الكتابة. مثل هذه البرامج، حسب علمي، غير موجودة في جامعاتنا حتى الآن. ولعل ذلك يأتي انعكاسًا لضعف ثقافة الكتابة والاهتمام بالكتب لدينا بشكل كبير، ولكن هذا موضوع آخر، ولست معنيًا به في هذه المقالة. غير أن الملحوظ مؤخرًا هو رواج ظاهرة جديدة لم تكن موجودة من قبل تمثلت في انتشار ورش الكتابة، وإن كان ذلك على نطلق ضيق، يقدمها كتاب معروفون في مجالات مختلفة. وإن كنت لا أعرف حقيقة مدى الإقبال عليها، أو الجدوى والفائدة التي تتحقق منها. ربما لأن الوقت لا يزال مبكرًا لتكوين فكرة واضحة حول هذا الأمر. سيقول البعض (وأنا منهم) إنه لا ضير من مثل هذه البرامج، بل إنها على الأرجح نافعة ومفيدة، إن لم يكن لجميع من يرتادها، فعلى الأقل لمن توجد لديهم بذور موهبة الكتابة في مجال ما مثل الرواية أو المقالة أو الكتابة الدرامية. لم أذكر الشعر لأنني لا أعتقد بأي حال من الأحوال بإمكانية تعلم كتابة الشعر، ففي الشعر إما ان تولد شاعرًا أو لا تكون شاعرًا، أو هكذا أزعم دون دليل أو إثبات علمي أو معرفي واضح، وإنما يقودني إلى الاعتقاد بذلك حدس الشاعر الذي أزعم امتلاكه. كما أنه يمكن القول أيضًا إن مثل هذه البرامج قد تختصر على ذي الموهبة سنوات من التخبط وتكرار ارتكاب الأخطاء وضياع البوصلة. فالموهبة مهما كانت كبيرة بحاجة إلى الصقل والتهذيب، وسيكون من الجيد أن تحظى بمن يأخذ بيدك ويضع قدميك على بداية الطريق الصحيح، شريطة أن تتوفر لديه المعرفة والقدرة على ذلك بطبيعة الحال. صحيح أن الكتاب الكبار الذين خلد التاريخ أسماءهم لم يعرفوا مثل هذه البرامج ولم يحصلوا على درجات جامعية في الكتابة الإبداعية، غير أن ذلك لا يمنع من الاستعانة بها والاستفادة منها، شريطة أن ندرك جيدًا أن «الدراسة المقننة للكتابة ليست معادلة كيميائية يتحول فيها كل طالب إلى تولستوي»، كما تقول الكاتبة الأمريكية، آيانا ماثيس، التي حصلت على درجة جامعية في الكتابة الإبداعية من إحدى الجامعات المعروفة. مرة أخرى، الأمر الذي لا ريب فيه هو أن الكتابة موهبة بالدرجة الأولى. يقول الروائي الأمريكي المعروف جيمس بالدوين، في أحد الحوارات معه: «إذا ما كنت ستصبح كاتبًا فلا شيء مما أقوله سيحول بينك وبين ذلك؛ وإذا ما كنت لن تصبح كاتبًا، فما من شيء أقوله سيساعدك لتحقيق ذلك».