يصل السائق الجديد فتحتفل الأسرة باستقباله في المطار بشكل جماعي، ولا تستغرب إن تم استخدام صورته كتعريف رمزي لمجموعة الواتساب الخاصة بالعائلة، حتى يعلم القاصي والداني أن الفرج قد وصل.. وأن الأسرة بصدد استعادة أثمن لحظات الانتصار. كيف لا، وهو من يأتي كطوق نجاة للأسرة بدءا من الزوجة التي لم تعرف طريقا للمولات منذ شهور، ووصولا إلى الأب الذي كاد يفقد وظيفته بسبب غيابه عن العمل منذ الصباح الباكر لكي يتفرغ لإيصال جميع أبنائه وبناته إلى مدارسهم والجامعات! لكن يبدو أن الفرحة لا تكتمل في كثير من الأحيان. فالسائق الجديد، والذي أكد مكتب الاستقدام أنه بطل للراليات في بلاده، هذا بخلاف حصوله على رخصتي قيادة: واحدة من مرور حكومته.. والأخرى فخرية من النادي الدولي للسائقين المحترفين، اتضح أن القدرة الوحيدة التي يمتلكها هي فتح باب السيارة والجلوس فيها بخجل! في هذه اللحظة، تبدأ اجتماعات عاجلة لجميع أفراد الأسرة لبحث أنسب الحلول لتدارك النكبة. ومن الحلول الذكية التي تلجأ إليها الأسرة السعودية التفكير جديا في شراء سيارة دفع رباعي لكي تكون نتيجة أي حادث محتمل أخف ضررا على الراكبين مع هذا «الغشيم»، وهذا قد يكبد الأسرة رقما موجعا يتمثل في قيمة هذه السيارات المفترسة وشديدة الصلابة. أما أذكى الحلول التي وصل إليها المجتمع السعودي فتبدأ بزيارة مكتبة خدمات الطالب وطباعة ورقة مكتوب عليها: «السائق تحت التدريب»، وبرغم ما قد تحققه هذه اللوحة من مواقف شهمة عند اصطدام السائق الجديد والغشيم بأحدهم، ولكن الحكاية لا تنتهي عند هذا الحد. فتعليق هذه الورقة ينطوي على بدايات أخرى كثيرة، ومنها: تبدأ السيارات الأخرى باستخدام الأبواق بشكل عدواني تجاه هذا المسكين ومن معه، وتبدأ السيارات بتجاوزه وتحاشيه مهما كلف الثمن، كما تبدأ فئات الشباب والمراهقين بتعمد الالتفاف الحاد عليه واستخدام الفرامل بقوة وبشكل مفاجئ لإجباره على ترك المسار الأيسر السريع الذي سلكه وقرر أن يقود فيه بسرعة لا تتجاوز ال 60 كيلومترا في الساعة!! النتيجة الحتمية بعد 3 أو 6 أشهر من هذه الاعتداءات المرورية المتكررة هي تحويل هذا الغشيم إلى وحش كاسر يجوب الطرقات بنقمة وعدوانية. وهنا ينطبق المثل الشعبي الشهير الذي يقول «غشيم ومتعافي» على هذا السائق الذي يتطلع إلى الانتقام ورد الاعتبار تجاه كل طلقة بوق، وكل «حَدة»، وكل إهانة انطلقت عبر نوافذ السيارات الأخرى صوب وجهه المذعور. والسائق الغشيم المتعافي عادة ما يقود بسرعة جنونية، ويطلق الأبواق بسبب وبدون سبب، كما يتبنى قناعة عميقة بأن الجميع مخطئون وهو الوحيد على صواب. الضحية طبعا في مختلف مراحل صناعة هذا السائق العدواني الأسرة المضطرة للتنقل معه في نفس السيارة.. خصوصا النساء والأطفال.