حين نرى شبابا في عمر الزهور ينفلتون من مجتمعاتهم ويسلمون أنفسهم للشيطان، ويلفون أجسادهم البريئة بأكوام من المتفجرات؛ كي يتخلصوا من حياتهم منتحرين، ويقتلوا أنفسهم والنفوس الطاهرة البريئة بخسة وعنجهية وغباء، وبمجرد الوقوف على هذا الضياع الذي ينتهي إليه شبابٌ غرس الوطن آماله بين أيديهم، فخانوا الوطن والأمانة، حين نرى ذلك كله تتأكد حاجتنا إلى إعادة التوازن لممارسات هؤلاء الشباب ومناشطهم، وإلى استثمار قنوات متنوعة لتشكيل المفاهيم بدلا من أن نتركهم للتلقين والحفظ، لا سيما أن الحقائق العلمية تؤكد أن الحرمان من التوازن الطبيعي في الحياة مدعاة للتطرف والغلو والعجرفة والرغبة في العنف؛ كون الشخصية غير المتوازنة لا ترى سوى رأيها عدلا، ولا ترى سوى فكرها صوابا، ولا ترى سواها جديرة بالحياة. ثم إن الشاب - بحسب رأي المختصين - عجينة تتشكل، وهذا التشكل يصنعه الواقع الاجتماعي الذي يحيط به، بكل ما ينطوي عليه من كيفيات التربية والتعليم والمناشط المجتمعية والقنوات الإعلامية وخلاف ذلك، وفي حالة ركزنا على المرحلتين الثانوية والجامعية، سنلحظ بما لا يدعو للشك أننا أغفلنا فيهما منشطا رئيسيا، وقناة توعوية مدهشة في قوة تأثيرها؛ بوسعها أن تسهم إسهاما كبيرا في إخراج الشاب من التقوقع على الذات، أو العيش معزولا عن الفكر المستنير، وعن الرغبة في مشاركة الآخرين، والانسجام مع ذاته ومع من حوله، إنه منشط الفعاليات اللاصفية، إذا ما واجهنا أنفسنا صراحة، وقلنا إنها شبه ميتة ومفقودة في جامعاتنا!!. ولكون المرحلة تتطلب منّا أن نتنبه سريعا إلى هذه المناشط اللاصفية في مدارسنا الثانوية والجامعية، أتمنى على وزارة التعليم الإسراع بدعم فكرة تلك الفعاليات والتأكيد على حضورها في هاتين المرحلتين خاصة، وعلى رأسها فعالية المسرح، الذي ما يزال وجوده - للأسف الشديد - رهن فكرة خاطئة، تعتبره هامشيا ومبتذلا، وهذه النظرة في حد ذاتها مأساة تتطلب إعادة النظر، كونها نتاج مرحلة تشدد وغلو وتطرف، ومواقف متوجسة من كل إبداع وترفيه، صيّرت مجتمعنا إلى ناضب من الابتسامة والفرح، ولا شك أننا جنينا جميعا آثار هذا في كثرة الشباب المنحرفين فكريا، الذين تقاطروا على تكفير الناس أولا، وتكالبوا على الانتحار والتفجير والقتل حتى لأقرب المقربين منهم. من تجربة حقيقية وطويلة أتحدث، عملت فيها مع شباب الجامعة وشباب جمعيات الثقافة والفنون، تأكد لي أن الشاب بعد مشاركته المسرح إنتاجا أو تلقيا يبني شخصية محبة للآخرين، مخلصة للوطن، متقبلة للرأي والرأي الآخر، مقبلة على الحياة والإنتاج والعطاء والتفاني، متزنة في مواقفها الفكرية والعاطفية، ولا أبالغ إن قلت: إن بعض الشباب الذين انخرطوا في مثل هذه الفعاليات برزوا حاليا في المجتمع وبشكل إيجابي ولافت، وصاروا أنموذجا يحتذى وقصة نجاح تُحكى. نعم، بات من المهم أن تتغير سياسة المناشط اللاصفية في مدارسنا وجامعاتنا، وأن نمنح الشاب نافذة للتعبير عن مواهبه وطاقاته، على أن تكون هذه المسألة استراتيجية من استراتيجيات النشاط لا مجرد حالة طارئة، نندفع في تنفيذها ثم تنطفئ وتخبو، فحاجتنا الماسة لهذا تتأكد يوما بعد يوم، بعد أن صار شبابنا غنيمة سهلة لطواغيت التشدد وأرباب الإرهاب، ولا أرى أكثر تحصينا للشاب من تأسيسه على الفكر المعتدل في كل شيء من حوله، والمناشط اللاصفية - وعلى رأسها المسرح - والتي تقوم بامتياز بخلق هذه الحالة المتوازنة، ويكفي المسرح أنه عمل جماعي فيه من التنوع الفكري والإبداعي ما فيه، وفيه من المشاركة وتبادل الخبرات، مع التشديد بأن لا يترك للاجتهاد، وأن لا يوجد دون خطة عمل منظمة، وأن لا يكون مرتعا لغير ذوي الاختصاص، كي يكون جادا وحقيقيا ومستداما!.