فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    كريسبو للهلاليين: راح آخذ حقي    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    «التراث»: استيطان كهف «أم جرسان» بالمدينة قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد    ذات الأكمام المفتوحة نجمة الموضة النسائية 2024    الطائي يصارع الهبوط    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مقتل قائد الجيش الكيني و9 ضباط في تحطم مروحية عسكرية    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    السلطة الفلسطينية تندد بالفيتو الأميركي    المستقبل سعودي    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة من يوم غدٍ الجمعة حتى الثلاثاء المقبل    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    التوسع في المدن الذكية السعودية    التعاون يتعادل إيجابياً مع الخليج في دوري روشن    أتالانتا يطيح بليفربول من الدوري الأوروبي    الرباط الصليبي ينهي موسم أبو جبل    في حب مكة !    الإصابة تغيب كويلار أربعة أسابيع    فيصل بن تركي وأيام النصر    إسرائيل.. ورقة شعبوية !    الدمّاع والصحون الوساع    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية تعاون لدعم علاج سوء التغذية في اليمن    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    المرور يحذر من التعامل مع أيّ روابط ومكالمات ومواقع تزعم التخفيض    سعود بن جلوي يطلع على استراتيجية فنون جدة    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    السجن 5 سنوات وغرامة 150 ألفاً لمتحرش    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    شركة تطوير المربع الجديد تبرز التزامها بالابتكار والاستدامة في مؤتمر AACE بالرياض    أمير الشرقية يرعى حفل افتتاح معرض برنامج آمن للتوعية بالأمن السيبراني الأحد القادم    سمو محافظ الطائف يستقبل مدير الدفاع المدني بالمحافظة المعين حديثا    "فنّ العمارة" شاهد على التطوُّر الحضاري بالباحة    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    رئيس الشورى بحث تعزيز العلاقات.. تقدير أردني للمواقف السعودية الداعمة    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    10 آلاف امرأة ضحية قصف الاحتلال لغزة    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق الكتابة عن المعنى
نشر في اليوم يوم 03 - 08 - 2015

هناك علاقة وثيقة وإن كانت غير ظاهرة بين حياة الروائي الروسي دوستويوفسكي وروايته الجريمة والعقاب. تتحدث الرواية عن صاحب الخطيئة حين يواجه نفسه بخطيئته عاريا أمام نفسه وضميره، حين يرفض أي تلوين أو تجميل للحدث، حين يصرّ في كلّ لحظة على أن يبدو الأمر كما هو عليه في الحقيقة. في هذه الحالة عليه أن يتلقى العذابات النفسية، وأن يرى ضميره شرسا كما لم يعهده من قبل.
يتوغل دوستويوفسكي عميقا في النفس البشرية، يحفر بلا رحمة، حين تنعم بالانسجام معه وأنت تقرأ تتمنى أن يقف عند هذا الحد، فالحفر صار أعمق مما اعتدناه في حياتنا. يفعل ذلك في المونولوج الداخلي وفي الحوارات. في وصف الحمى والألم والهذيان والاضطراب والكوابيس والعزلة وفقد القدرة على الإحساس بالناس وربما بالحياة.. إلخ. وحين تنتهي من العمل تفكر هل كان بالإمكان اختصاره فتجيب بالنفي. لم يكن دوستويوفسكي يطيل عمله عبثا، لقد كان يمضي بك دون رحمة ليريك عالم الشعور عاريا من كل الدروع.
حين تنتهي من عمل بهذه الجودة، وعمق عن معنى الخطيئة بهذه الدرجة، تتساءل وماذا يمكن أن يكون بعد ذلك، لو كنت كاتبا وقررت أن أكتب عن هذا المعنى فسيكون عمل بهذا الجمال هو غاية الأمنيات، ولكن ماذا بعد أن رفع دوستويوفسكي السقف ووصل إلى هذا العمق.
ينسحب هذا الكلام على كثير من المعاني. في النادر جدا أن تقرأ كلاما جديدا عن الشعور والمعنى، خذ على سبيل المثال معنى الحب أو الفقد أو الحزن أو الحنين، لقد كتب السابقون كلاما وما زلنا ندور في فلكه. لقد وصلوا إلى مناطق ما زلنا نقف عليها. قد يكون الإشكال في السلطة التي أقاموها علينا، نحن نشعر بشيء ما، نكاد لا نفهمه تماما، شعور مختلط أو مركب، فنبحث ونقرأ ونسأل، ونجد من يجيبنا، فيشكّل هذا الكلام الذي نقرأه أو نسمعه مشاعرنا ويجسدها، وحين نقرر أن نُعبّر عنها نجد أنفسنا نعيد ذات الكلام الذي قيل لنا بعبارات مختلفة. فهل فعلا تم استنفاد عالم الشعور، أم أننا أسرى سلطة الكلمات.
بحسب كولن ولسن فإن العمل الروائي يقدم شهادة وجدانية على عصره، وهذا ما أعطى أهمية كبيرة للرواية في العصر الحديث. فهل مهمة الروائي حقا أن يقدم شهادته الوجدانية والشعورية دون محاولة الإتيان بجديد في عالم المعنى؟! أم أن علينا أن نغامر بالولوج إلى مناطق جديدة في المعاني، وأن نستكشف مساحات بكرا في عالم الحب أو الحزن مثلا.
الإنسان متفرد في مشاعره ولذلك هو مُستعصٍ على المختبر، لأن المختبر يبحث عن القانون المطرد، والإنسان بفرادته يشكل وحدة مستقلة متجددة ومتغيرة، وهي مسألة عويصة في علم النفس. لكن هل فرادة الإنسان تعني أن يقدم شهادة وجدانية على عصره دون الإتيان بجديد في عالم المعنى، أم أن عليه أن يغامر بالبحث عن مناطق جديدة غير مأهولة. لا شك أن هذه المغامرة لن تكون سهلة أبدا، فإن محاولة فهم الشعور وترجمته قد تؤول إلى نتيجة عظيمة جدا، وقد تكون ساذجة جدا. على المرء أن يكون واثقا جريئا، وأن يكون في الوقت نفسه مجربا عارفا.
أعتقد أن عالم المعنى عند الصوفية يعاني الأزمة ذاتها. لقد تحدث سادة الصوفية قديما عن معانٍ وقفوا أمامها عاجزين، واعترفوا بتقصير اللغة عن التعبير عنها، فهي أعظم من أن تحتويها العبارات، ولهذا ساءت أفهام الناس لهم، ودار الجدل حول مراداتهم، واعتذر لهم العلماء من الأمة، حيث ان عباراتهم يجب أن تؤخذ بسعتها لا بضيقها. فهل بعد هذا المأزق من جديد، هل بعد كل الجهد الذي بذله السابقون في وصف تجربتهم الروحية، وسلوك طريق المعرفة الإلهية، وما قالوه حول وحدة الوجود باختلاف معانيها واللبس الدائر حولها، هل من الممكن أن يأتي إنسان بجديد بعد هذا. أم سيكتفي بإعادة إنتاج المعنى بما يتلاءم مع عصره.
في ظني أنه مازالت مناطق كثيرة غير مكتشفة في عالم المعنى. ولكن أمام طوفان المعرفة، وأمام أزمة الغرق في المعلومة، وأمام هذا الكم الهائل من الكتب، أصبح من الصعب جدا علينا أن نغامر بإنتاج الجديد، ليس لأنه مقفل بابه، ولكن لأن السلطة علينا باتت أقوى، والتحرر منها بات أصعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.