ما كدنا نستبشر بخبر إلقاء القبض على متحرشي جدة إلا وسربت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً لحادث تحرش في الطائف. وفي كل مرة تتسرب هذه المقاطع؛ يظهر عدد من المراهقين وهم يطاردون فتاة أو أكثر في مشهد يمكن لك أن تخمن السيناريو الخاص به وأنت مغمض العينين! الوقع الصوتي للمطالبين باستحداث قانون يجرم التحرش ويرصد لفاعله أقسى العقوبات ينقل في أصدائه مطلبا منصفا تماماً، وحان وقته بكل تأكيد. والاتكال على التوعية وفعالياتها المسماة ارتجالاً بالأنشطة الدعوية (رغم أنها موجهة لشباب من المواطنين) هو أمر لا يعقل استمرار الاتكال عليه! فالممارسون لهذه الأنشطة التي يصعب إيجاد تسمية لها مشغولون بتحقيق أرقام قياسية في تكسير ألف عود ومرواس وبنقز. إنهم ببساطة منهمكون في الثأر من تاريخ قديم، ربما يخص البعض منهم، وارتبط وجدانيا بفهم ضيق ومحدد للفساد السلوكي والأخلاقي. في البداية يجب أن نتفق على أن التحرش لا صلة له بعرق أو دين أو حتى مذهب. فهو قابل للحدوث في أي مجتمع، والاختلاف كامن في نسبة حدوث حالات التحرش، هذا إن توفرت الدراسات اللازمة. والتحرش مرتبط بالاستعداد النفسي والسلوكي للمتحرش، وهو في الغالب شخص عدواني متنمر ومثير للمشاكل. من هنا عليك أن تتساءل: ما الذي فعلته الأسرة والمدرسة لتعديل هذا السلوك قبل وصوله إلى الشارع وممارسته تجاه الغير؟ كما يحق للمجتمع أن يتساءل: كم عدد حالات التحرش التي تقع داخل البيوت والمدارس ويتم غض الطرف عنها لسبب أو لآخر؟ وكل هذا سنلتمس لأنفسنا العذر فيه، فدولة بحجم ومكانة أمريكا لم يظهر فيها مصطلح "التحرش الجنسي" سوى في السبعينيات الميلادية، وما قبل ذلك من حوادث كان تائها في مسار القانون المنظم لعقوبات الاعتداءات بوجه عام. ولكن قانون التحرش عندما حضر.. حضر بمنتهى القوة. والسبب في سهولة تطبيقه في أمريكا هو قوة القانون واستناده لأرضية راسخة وواضحة المعالم. نعم يريد السواد الأعظم منا قانونا يجرم المتحرش ويوقع به ما يستحق من عقاب، ولكننا أيضا بحاجة للبدء بالدائرة الأضيق من الشارع العام، فالمدرسة يجب أن تعترف بوجود المشكلة وتستحدث علاجا فاعلا، والبيوت يجب أن تعترف بوجودها، وكذلك أماكن العمل! من منا قادر على الخروج بسطر واحد في أنظمة التعليم أو حتى العمل ينص على المشكلة بعبارة "تحرش"؟ وإن وجد، فلن تتعدى اجتهادات بعبارات مطاطية مثل: يمنع الإتيان ب "سلوك مناف للأخلاق والآداب العامة". المطلوب هو الوضوح مع هذه المعضلة الاجتماعية، وهذا سيخرجها من دائرة "العيب" المسبب للحرج، ويحيلها إلى خانتها المستحقة في العلاج والموجبة للرصد والعقاب. رئيس تحرير مجلة »نبض الجامعة»