كنت أود لو أني سألت الفيلسوف الفرنسي العظيم رينيه ديكارت ماذا كنت تعني حينما أطلقت مقولتك الشهيرة «أنا أفكر إذا أنا موجود» وأنت الفيلسوف وعالم الرياضيات الذي يحسب الكلام وفق معادلة رياضية دقيقة؟، فلا أظنك رميت الكلام هكذا على عواهنه..!، خصوصا أن من يقرأ سيرتك يكتشف إلى أي مدى كنت جادا وتحكم اللغة الرياضية في حياتك، بل أكثر من هذا صبغت المجتمع الفرنسي كله برؤيتك إلى درجة أن هناك من يقول حتى شوارع فرنسا، تأثرت بمعادلات ديكارت الرياضية، ومن هنا تكون مثالا حيا لمقولتك آنفة الذكر، فهل كنت تعني رينيه ديكارت حينما أطلقت هذه المقولة؟! لأني أراها أقرب اليك من أي فيلسوف آخر، بل أنت مثال حي لها، على الأقل عند مواطنك الفرنسي، ولا أبالغ حين أقول المواطن الأوروبي، وأظنك هذا ما أردت حينما استخدمت أداة الشرط «إذا» أنا موجود، قصدت الوجود الفاعل، المبني على المعادلة الرياضية والسؤال المنهجي. ولكن حينما تأتي هذه المقولة إلى حيزنا العربي، لا أظنها تنطبق علينا، فلا مثقفونا استطاعوا أن يجعلوا من أفكارهم ورؤاهم دالة عليهم كما فعلت أنت، وهذه رؤية ليست متشائمة أو سوداوية، ولكن دلوني على مصطلح واحد استطاع أن يأتي به مثقف عربي يوازي المصطلحات التي جاء بها المثقف الغربي، لنعرف مكامن الخلل الحقيقي، ففي المقارنة أحيانا يكتشف المعنى من المجاز، وهذا الكلام ينطبق على جميع مجالاتنا العلمية والأدبية والاجتماعية، فليس لدينا على سبيل المثال نظريات في الأدب وعلم الاجتماع والسياسة، ناهيك عن العلوم الأخرى من رياضيات وغيرها. في اعتقادي ان المواطن العربي اليوم يريد أن يفهم ما يدور حوله، أتعبه الاستفهام، لا يزال يسأل السؤال المكرر الذي طرحه شبل شميل في مطلع القرن الماضي، لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب،؟ وإن قال لي أخو العرب يا صديقي نحن تجاوزنا هذا السؤال، ردي عليه: دلني كيف ومتى كان هذا؟!. يا أخا العرب التفكير الذي قصده ديكارت، التفكير الفلسفي المنهجي المبني على المعادلة الرياضية، أي بمعنى آخر التفكير المشارك في الحضارة، وهي مرحلة متقدمة لم نصل إليها بعد، وأنا هنا لا أجلد الذات العربية، كما يمكن أن تتهمني، بقدر ما أتساءل مع المواطن العربي، دعونا نتساءل، دعونا نحاول أن نفهم حتى نقرر بعد ذلك، إن كنا نفكر التفكير المنهجي الرياضي، أم لا نزال مقلدين، فالشخص الذي يقلد لا يمكن أن تطلق عليه صفة المفكر، ليقول بعد ذلك عن نفسه «أنا أفكر إذا أنا موجود»، بل أكاد أجزم في الغالب طبعا وليس من باب التعميم بأن الصفة البارزة لدى الغالبيه من المثقفين وأصحاب الرأي هي التقليد والتقليدية حتى في طرح السؤال، فلا يزال المثقف لدينا يحمل جوابا واحدا لسؤال الحضارة..!، ومفاهيم مثل الحداثة والليبرالية والعلمانية والعولمة..!، برغم أنه لم يبدع هذه المصطلحات، بل جاء بها من الآخر (الغرب)، ولكنه حبسها في معناها الأولي، ولم يشتغل عليها ليخرج برؤيته هو، فالآخر لديه ماذا بعد ونحن ما زلنا في ماذا قبل، فهم في سباق مع التاريخ ونحن سبقنا التاريخ، فهل من سبقه التاريخ، يمكن أن يطلق على نفسه «أنا أفكر». إنه التاريخ يا أخا العرب لا يجامل أحدا، إن أدعيت شيئا ليس لك، سوف يعريك ويضعك أمام مرآته التي مهما تجملت أمامها، سوف تعكس لك صورتك كما أنت. * كاتب وإعلامي