بمناسبة الشهر الكريم وتزامن البركات وزيادة الجرعة الروحية لدينا والتي تملي علينا صياما وقياما وقراءة لكتاب الله المجيد وهي فرصة سنوية تتكرر علينا ونتمنى لها أن تطول، نجدها فرصة سانحة لمنهجة فكرنا وتوجهاتنا الفكرية والحياتية وتنظيم شذر ومذر من واقع ضغوط الحياة التي قد تلهي أحدنا عن حقائق أمام عينه ولا يلقي لها بالا، والغوص في أعماق خزائن القرآن العظيم أمر يفوت على الكثير منا حيث الهدف المرجو والسباق المحموم هو على انهاء أكبر عدد من الصفحات مما يعني نقصا في التدبر والتفكر وهو الأمر الأجل والأوجب، فإمعان الذكر على الفكر والفكر على الذكر حتى تستنطق الحكمة التي أرادها الله لنا هو أمر في غاية الضرورة وإن غفل عنه، بل ان الحلول الذكية كما يحلو لأبناء الجيل القول بها، لكامل أمر الدنيا والآخرة مسطورة في صفحات القرآن العظيم، وما يميز القرآن العظيم عن أي كتاب أو فكر بين أيدينا هو الشمولية النفسية والفكرية والكونية في إعجاز وهيبة أجبرت أساطين لغة العرب على إعلان حالة الاستسلام حين يقول الوليد ابن المغيرة شهادته التاريخية محدثا قومه عن القرآن العظيم: ( فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته). ويتفق علماء اللغة والفقه ومفكرو الإعجاز العلمي للقرآن الكريم على أن من أهم ما يميز القرآن العظيم هو الشمولية المعجزة في دقة متناهية لا تنحرف عن الحق بل هي طريقه والسبيل الى معانيه. ورسالة مقالتي هذه في هذه الأيام المباركة هي دعوة أطلقتها في مؤتمرات ملك الأعضاء لعلوم طب القلب المتقدمة بضرورة تزاوج العلوم والتقاء كياناتها وهي أمر مفهوم ومعلوم لكل من قرأ القرآن العظيم بسعة أفق وتدبر في كنه المعاني حيث يجب على العلماء والمفكرين من أبناء أمة محمد صلى الله علبه وسلم في جميع التخصصات وأخص بالذكر العلمية منها التيقن من أنه لا يوجد في كون الله الفسيح علم واحد قائم بذاته بمعزل عن بقية العلوم فلا فيزياء تقليدية ولا كميه ولا كيمياء ولا علوم فلك ولا هندسة ميكانيكا بل كلها كل متكامل ينطق بإعجاز وعظمة بوجود خالق واحد له الأمر كله من قبل ومن بعد، ولا أعتقد أن علماء الغرب منذ الثورة العلمية في القرنين الماضيين حتى الآن قد أدركوا هذا المعنى إدراك المحسوس ولكنهم وبلا أدنى شك قد تيقنت منه أنفسهم لوجاهته وقد عملوا به، والأمثله أكثر من أن تذكر في كل شيء ومن الأمثلة الحديثة نسبيا اختراع منظمات النبض والصادمات الكهربائية التي يشتهر بزراعتها الأطباء ولكنها في حقيقة الأمر منتج من الدرحة الممتازة لتزاوج علمي الهندسة الإلكترونية والهندسة الكهربائية والتي استكملها الأطباء لتناسب الزراعة في الجسم البشري. وأنا هنا أدعو جميع الكيانات العلمية والفكرية في المملكة وبالأخص في الجامعات ومراكز البحوث الى النظر العاجل في حقيقة أن تقارب علوم بعينها -وكل أدرى بأولوياته– هو خيار هام جدا للاختراع والابتكار والتقانة إن كنا ننوي الوصول الى التميز العالمي في جميع شؤون العلوم، ومن المهم جدا للمخططين وبناة التوجهات الاستراتيجية المستقبلية للمملكة اختصار الزمن بخلق الائتلافات والتجمعات العلمية التي ستمثل بلا أدنى شك خروج منتج ذي تميز عالمي، وهذا التوجه المعرفي والفكري الذي ندعو اليه تجده مطبقا بذكاء وانتقائية وحنكة ملحوظة في الغرب وبالأخص في الولاياتالمتحدةالأمريكية وليس بالضرورة أن يكون الأمر معلنا لكنه مطبق بامتياز مبهر ونحن وإن كنا لا نجاري الأمة الأمريكية والغرب عموما في أمور دنيوية كثيره إلا أن لدينا من البنى التحتية في جامعاتنا ودور الفكر ما يدعونا للنظر بأمل كبير لمستقبلنا الذي يجب أن يكون مبهرا في وجود ملك مهاب وقائد استطاع تحريك العالم في أيام معدودات وقبل ذلك وبعد فإن بين أيدينا من خزائن جوامع العلوم والكلم في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن نعاود فيه ذكرا على فكر وفكرا على ذكر عسى أن نستنطق الحكمة التي أرادها الله لنا والله الموفق. * عضو وزميل الكليات الملكية البريطانية للأطباء