أمثالنا الشعبية لها روعتها، وجمالها، والأمثال الحجازية من بين أمثالنا الشعبية تتمتع بسمات خاصة، ومميزة. ومن حُسن الحظ في سنواتٍ مضت كان رئيسي في العمل مخلوقا يحفظ من الأمثال الشعبية الحجازية، كماً هائلاً، وكان يعالج بعض الحالات الإدارية أو المشاكل التي تواجهنا في العمل بصبر وحكمة، ويزيد على ذلك مثلا شعبيا، حجازيا. في الحقيقة سمعت من ذلك الرجل الطيب، أمثالا كثيرة، وبقي مثل البيض الفاسد، المثل الأثير عنده وعندنا في الإدارة. حتى أننا، زملائي وأنا، أسمينا ذلك المثل بنظرية البيض الفاسد. ولكي نقترب من إيضاح ما أقول، من المستحسن تقديم المثل بنصه وهو: البيض الفاسد يدردب على بعضه. المعنى واضح في هذا المثل، وتبقى كلمة يدردب المفردة الحجازية اللافتة التي تعطي للمثل مذاقه ونكهته الخاصة، وهي تعني يذهب، أو يتجمع. وينحاز، باختصار الفاسدون تقودهم الطرق والظروف للقاء إما تبعا للمصالح، أو تبعا لصفات أخرى، المفيد أن الفاسدين تجمعهم أوعية فاسدة، وكل ما اقتربت من هذه المعاني وقرأت كلام الله -سبحانه تعالي- «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون» اقترب من مفهوم واقعي مفاده العام أن الفساد موجود بيننا، وهذا اعتراف لا يجب أن يقلل من مقاومتنا ورفضنا على المستويات الشخصية، وعلى مستوى المجموع العام للفساد وللفاسدين، لأن التعايش مع هذه المعاني يقودنا إلى التعايش مع الواقع والقبول به، الشيء الذي يجب أن ندرك خطورته من حربنا مع الفساد هو القبول بواقع فاسد مرفق مهم وحيوي في حياتنا، ومستقبل أجيالنا، مثل قطاع الصحة، وتكمن الخطورة هنا أن هذا القطاع لا يحتمل الخطأ العابر وغير المقصود، فما بالنا وكيف سيكون حالنا إذا كان الخطأ ناتجا عن فساد حال، ومستوطن، وملموس! هنا نحن أمام العبث الشبه المتعمد بأرواح الناس، هذه الأرواح التي حرمت السماء الاقتراب منها إلا بالحق، فكيف ونحن نتعامل معها بباطل وفاسد أيضاً. أرواح الناس التي من أجلها اعتمدت الدولة للصحة وخدماتها ومرافقها الميزانيات الطائلة؛ لتقوم بواجبها تجاه الناس وصحة ابدأنهم، وسلامة حياتهم ولكن وبأسف كبير لا يجد الناس إلا الكيل السيئ من أغلب مرافق وقيادات هذه الوزارة، هل يعقل أن يفتح أحد قطاعات الوزارة تحقيقاً في شكوى تقدمت بها أسرة مواطن توفي في إحدى المستشفيات وذكر أهله أن سبب الوفاة إهمال الأطباء أثناء إجراء عملية جراحية، غاب عنها طبيب مختص في احد حقول الطب والعلاج أو تأخر في الحضور وقت العملية في حين انشغل باقي الفريق بأداء صلاة العصر، والرجل على سرير الجراحة في غرفة العمليات، وعندما تفرغوا لإكمال عملهم كان المريض قد لقي وجه ربه، هذا حسب رواية أهل المتوفى، التي مهما كانت صادقة أو حتى قريبة من الصدق فإنها توقفنا على حقيقة واقع فاسد إلى درجة قاتلة. ظهور الفساد في هذا القطاع أصبح راسياً وعمودياً بمعنى انه طال الخدمة المنتظر تقديمها للمواطنين، كما طال القيادات وأغلب الكوادر الإدارية والفنية مع كثير الأسف، ولا أدل على ذلك من تصريح مسئول صحي أُقيل من منصبه مؤخرا بسبب سكوته على وضع فاسد انتشرت فيه الصراصير في مواقع علاج الناس، فاستغل الفرصة ليظهر للناس عبر وسائل الإعلام لا ليعتذر، بل ليقول ببرود غير مسبوق انه ليس المسئول الوحيد الفاسد، وان الأسباب التي حرمته من منصبه كانت موجودة من قبله وعاصرها أكثر من مسئول غيره، باختصار عذر أقبح من ذنب، ويجب ألا نستغرب من هذا المنطق فالسلة مليئة بالبيض، ولكنه بيض فاسد في مجمله يقدم كوجبة إلزامية ووحيدة للناس، وبثمن مبالغ فيه يخرج من خزينة البلاد. لا أريد أن أطيل الحديث في هذه المسارات الموجعة للناس، والموجعة في تقديري بنفس الدرجة للقيادة التي رغم مشاغلها الكثيرة، والكبيرة، أصبحت تصرف جزءا من وقتها لحل مشاكل المواطنين المرتبطة بهذا القطاع، وهذا ربما يعكس حجم الخلل والدردبة في هذه الوزارة، وربما يعكس شيئا من تعثر المسئول الأول فيها وعدم قدرته حتى الآن على السير بنفس الرتم السريع والحازم الذي يجب أن تحل به الأمور في محيط يحاصره الفساد من كل صوب. * مستشار وباحث في الشأن الدولي