في أحد أيام الربيع لسنة مضت.. رن هاتفي.. فإذ بتاجر فاضل من أكبر تجار المملكة العربية السعودية يعاني فرار النوم من عينيه مع أنه يذهب لفراشه الحادية عشرة ليلاً، فيظل يطلبه ويحاول إلى قريب الفجر، واستمر الوضع على ذلك أشهراً. هذا الذي يعاني منه الثري يسمى «الأرق»، ويكثر عند كبار السن وذلك من جراء تغيرات جسمية أو نفسية وتعرضهم لمشكلات اجتماعية ومالية وضغوط في الحياة، والأرق عدة مستويات منها البسيط والمتوسط والشديد. طلبت منه إجراء فحوصات لمعرفة الحالة الصحية للجسد، وكانت جيدة، لديه ضغط القلب، وهذا يحتاج راحة وتقليلاً للمشاغل الذهنية، بعد ذلك التقيت به وسألته عدة أسئلة وركزت على ثلاتة أمور: جدوله اليومي، وأعماله، وعلاقاته.. فكان جدوله كما يلي؛ يقوم صباحاً فيتجه للشركة الساعة العاشرة ويجلس إلى قبيل العصر، والغداء عصرًا، ثم يرتاح قليلاً، والمغرب يذهب لمكتب آخر، وبعد العشاء يأتيه ضيوفه وأصدقاؤه يومياً فيتناول معهم العشاء بعدها يدخل البيت يطلع على خلاصة صحف اليوم ثم يشاهد الأخبار، ثم يتجه لفراشه، لكن لايأتيه النوم، أما أعماله، فهي تقريبا أربعة أشياء، العمل التجاري معظم النهار، الجلسة الأسرية، الجلسة الاجتماعية مع الأصدقاء، القراءة الصحفية، أما علاقاته فمحدودة بنطاق العمل والصداقة، لاحظت أيضا أنه يشرب المنبهات بعد العشاء، كذلك يتأخر بطعام العشاء إلى العاشرة ليلا، إضافة إلى أنه لا يمارس أي شكل من أشكال الرياضة؛ فلما عرفت برنامجه وأعماله وأسلوب حياته؛ عرفت أسباب أرقه وقلقه؛ وكان قلقه من المستوى المتوسط، ويأتيه قبل النوم وليس أثناءه. حينها وضعت له برنامجا مقترحا يجربه أسبوعين؛ وهو كما يلي: الاستيقاظ لصلاة الفجر، والأذكار، ثم الراحة لمدة ساعتين، والإفطار مابين الثامنة والتاسعة، الاطلاع على ملخص الصحافة صباحاً، والأخبار، ثم يذهب للعمل من 10 حتى الثالثة، ثم الغداء وصلاة العصر، وراحة بعد العصر، المغرب رياضة فيوم سباحة ويوم جري أو مشي لمدة نصف ساعة، بعد ذلك أخذ حمامٍ دافىء ثم بارد قليلا، مع الحرص على الصلوات والسنن وأوراد المساء مثل الصباح، بعد العِشاء مباشرة عَشاء خفيف، مع جلسة مختصرة مع الضيوف وشرب الماء والمشروبات المهدئة كالنعناع واليانسون والقرفة وغيرها، وقبيل النوم يقرأ ماتيسر من الآيات أو كتبا مفيدة سهلة متفائلة بالسيرة والقصص والأفكار الجميلة؛ ثم الوتر وأوراد النوم.. هنا يكون برنامجه قد تضمن العمل المكتبي المحدد ولم يستوعب اليوم، مع منع متابعة الأخبار بالمساء تلفزة وصحفاً، حيث تشغل مخه وتقلقه، إلغاء المنبهات تماما بالمساء، إضافة الرياضة لتحريك الدم وضخ الاكسجين فيه، وإجهاد الجسد بذلك، مع إضافة الأوراد، والمشروبات المهدئة، والقراءات الماتعة. كما ركزت في البرنامج، على العمل بالنهار، والراحة في المساء وهذا يتجاوب مع ناموس الكون، فالنهار حركة والليل سكون؛ فعندما يدلف الليل، وبالك خال من الأشغال وجسمك قد أصابه الكلال، فما هي إلا سويعة وتغط في النوم.. وفعلا طبق البرنامج أسبوعين؛ فتقدم نومه ساعة.. وبعد شهر.. تقدم نصف ساعة.. ثم زرته بعد ثلاثة أشهر فبشرني بأنه ينام الحادية عشرة، فبمجرد ما يضع رأسه وهو يتمتم بالذكر ينام، وأنه قرأ عدة كتب، وانتصف في القرآن، وارتاح ذهنه.. وصح جسمه..، وتورد وجهه.. وظهرت بسمته..، وقال لي: كم نملك فعلا من الأموال لكن الطمأنينة وراحة البال والنوم الهانئ أعظم من ذلك بكثير؛ هنا أيقنت أن من رزق النوم الطبيعي فهو من الأغنياء، وأن الأغنياء فقراء إذا سلبوا الراحة والطمأنينة؛ وتيقنت أن هناءات الحياة يقطفها الإنسان بتناغمه مع فطرته واعتداله في غذائه ومنامه وعلاقاته، وأن رأس الطمأنينة ذكر الله والقرب منه. وإلى لقاء قادم.. أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي