دائما تقترن بنود الصرف على حجم الإيراد، فكلما زادت الإيرادات تواكبت معها أبواب المصروفات لان وفرة الإيراد تحتاج إلى تفعيلها وتشغيلها وهذا بالطبيعة يولد احتياجات توجب الصرف الذي تنتج عنه مخرجات تزيد من قيمة الإيرادات ويصبح بينهما هامش يعرف بأنه الربح للعمليات وهذه من بديهات علم الاقتصاد، وأنا هنا لست في مقام التشكيك بهذا التنظير لكنني فقط اشخص حالة تتكرر مع كل حركة اقتصادية ولا تعيبها ولكنها تحدد الأساليب التي اتبعت في منهجية الصرف لتحقيق ذلك القدر من الربح وبمقدار المساحة المتاحة لذلك التحرك تكون هوامش الربح مبنية على السياسات المتبعة والأساليب المتخذة في تسيير أمور التشغيل وإدارة هذه الأموال. من هنا تتعاظم أو تتقلص تلك الميادين التي يمكن الخوض فيها بناء على القناعات الموضوعية والايمان بشرعية التصرف، حيث إن السلوكيات لها الدور الفاعل في توجيه القرار نحو المرتكزات الدينية والثقافية والاجتماعية التي يعتمد عليها متخذ القرار فبقدر الواعز والمحفز تكون النتائج بالسلب أو الإيجاب حسب المعطيات التي يتصورها قبل الشروع والإقدام على التنفيذ حيث إن كثيرا من الأمور تتشعب مخرجاتها وتعطي أثرا مغايرا لما خطط له. فلو نظرنا إلى نشاطات البنوك لدينا لوجدناها تتركز على محافظ الاستثمار في الأسهم والسندات وبطاقات الائتمان والقروض، وكلها عبارة عن تبادل ورقي لا يرتد بقيمة مضافة أو يشيد صرحا تنمويا وإنما يساعد على توفر السيولة النقدية وتداولها هذا في جانبها الإيجابي أما جوانبها السلبية فهي إيجاد مناخات غير متوازنة في سوق المال حيث إن المضاربات تتم بين البنوك والأفراد وهذا ليس فيه عدل لان قوة السيطرة محسومة سلفا والاحتكارات واردة وتهميش رؤوس الأموال الصغيرة هو النتيجة لأنها لم تشارك في البنية الاقتصادية ولم تفعل استثماراتها بشكل جاد وإنما تكدست السيولة في البنوك وارتدت على أصحابها في عمولات القروض غير المنصفة وغير المجدية مما يعرقل نموها بل يزيدها رهقا. والدليل على ذلك الديون المتعثرة والديون المعدومة مثل تلك الديون التي حققها أحد البنوك الذي استرد بعضا من ديونه المتعثرة مما حسن أداءه في هذا المضمار وارتفعت أرباحه ولا أعرف من أي زاوية يجب النظر هل لتلك الديون المحصلة أم لتلك الأرباح المحققة حيث لم نر لها أثرا على سطح التنمية، أما إذا نظرنا إلى أرباح المصارف السعودية فلم نجدها قد تركت لها بصمة في عجلتنا الاقتصادية وعجبي أن يكون أحد البنوك قد ارتفع دخل صافي استثماراته ولا أعرف عن أي استثمار يتحدث. وهنا لنا وقفة تأمل لمعرفة ماذا نريد؟ فكل ما نريده استثمارات ذات مردود نفعي للمجتمع والبنية التنموية والنزول من سقفنا العلوي للنظر إلى المعوزين والمحتاجين بتخصيص%1 من هذه الأرباح لصندوق الفقر ومثلها للضمان الاجتماعي، ولا اعتقد أن ذلك سيضير أصحاب الضمائر الحية من المساهمين وان نقصت أرباحهم %2 لسد أفواه مفتوحة وأياد ممدودة تنتظر أهل الخير ليرسموا على وجوههم بسمة تشفع لهم يوم القيامة وتحقق لهم الدعوات الصالحة في الدنيا تثقل بها موازين أعمالهم في الآخرة. فهل لنا بتشريع يسن ويفرض هذه النسبة لهذه الأغراض تحديدا على أن تشمل كل ربحية محققة ومعلنة رأفة بمن يسمع أو يقرأ بمثل هذه الأرباح ويتحسر على دنياه الفانية.. عشمي أن يتحقق ذلك. باحث وكاتب