النفط يتراجع لليوم السادس والذهب يرتفع    5.5 مليار لتطوير مشروع عقاري شمال الرياض    استمرار توافد ضيوف الرحمن إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن تسعيراً ناجحاً لأول عرض سندات بالجنيه الإسترليني    اجتماع ثلاثي لاستئناف مفاوضات هدنة غزة    الجامعة العربية تطالب بضرورة الوقف الفوري والدائم للعدوان الإسرائيلي على غزة    رونالدو بحاجة لتمريرتين حاسمتين ليعادل الرقم القياسي للاعب الأكثر صناعة للأهداف    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر ذي الحجة مساء غدٍ الخميس    إعادة النظر لحاجّة تركية بمكة    «نمّور» يلهم الشباب والأطفال بأهمية الحفاظ على البيئة    غالبية المتقاعدين في ألمانيا يضطرون للتقشف    التقنيات الحديثة في مبادرة "طريق مكة" تٌسهم في تحسين تجربة حجاج المغرب    اليابان تقر قانوناً يهدف لمواجهة انخفاض معدل المواليد    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لمجموعة «فقيه للرعاية الصحية»، بقيمة 764 مليون دولار أمريكي في السوق السعودية (تداول)    النسخة5 من برنامج "جسور" لتأهيل المبتعثين بالولايات المتحدة    الملحقية الثقافية بواشنطن تستعرض برنامج "أدرس في السعودية"    ارتفاع درجات الحرارة العظمى في 3 مناطق    حشد عربي لمواجهة التصحر وتحدياته بالمنطقة    الدوسري يشارك في المران الجماعي ل"الأخضر"    أمير تبوك يطلع على سير الاختبارات بالمنطقة    تستمر 3 أيام.. والرزيزاء: احتفالنا ليس للصعود    نسرين طافش: «النسويات» قاصرات منافقات.. ونوايا خبيثة !    الإسباني "هييرو" يتولى منصب المدير الرياضي في النصر    أمير الباحة ل«التعليم»: هيئوا وسائل الراحة للطلاب والطالبات    «أندرويد» يسمح بتعديل الرسائل    خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء عبر الاتصال المرئي.. خادم الحرمين: المملكة تعتز قيادةً وشعباً بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما    اتفاقية تعاون وصناعات دفاعية بين المملكة والبرازيل    أشاد بدعم القيادة للمشاريع التنموية.. أمير الشرقية يدشن مشروعي تطوير بجسر الملك فهد    صدق أرسطو وكذب مسيلمة    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية "2"    انطلاقة مشرقة لتعليم عسكري احترافي.. الأمير خالد بن سلمان يدشن جامعة الدفاع الوطني    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بمنفذ الوديعة الحدودي    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان ( 1 2 )    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر دولي عن البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة    ناصحاً الحجاج.. استشاري: استخدموا الشمسية خلال التنقل في المشاعر    الشؤون الإسلامية تطلق حملة التبرع بالدم بالتعاون مع صحة جازان    شاموسكا مدرباً لنيوم لموسمين    محافظ مرات يتفقد مشروع السوق بالبلدة التاريخية    انتخابات أمريكية غير تقليدية    البرازيل تستعرض أغلى بقرة في العالم    «لا تضيّقها وهي واسعة» !    عالم عطور الشرق !    كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا بموضوعية؟    من أعلام جازان… فضيلة الشيخ الدكتور علي بن محمد الفقيهي    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    القيادة تهنئ كلاوديا شينباوم بمناسبة فوزها بالانتخابات الرئاسية في المكسيك    وزير الشؤون الإسلامية يناقش تهيئة المساجد ومتابعة احتياجاتها    تعزيز مبادرة أنسنة الخدمات بتوفير مصاحف «برايل» لذوي الهمم من ضيوف الرحمن    جمعية تعظيم تطلق مبادرة تعطير مساجد المشاعر المقدسة    أوتافيو خارج قائمة البرتغال    «تكافل الخيرية» ترسم طريق الاستدامة    الملك يطمئن على ترتيبات الحج ويؤكد اعتزاز المملكة بخدمة الحرمين    بعد انتشار قطع ملوثة دعوة لغسل الملابس قبل الارتداء    %8 استشارات أطباء التخصص العام    أمير تبوك يشيد بجهود المتطوعين لخدمة الحجاج    أمير نجران يُثمِّن جاهزية التعليم للاختبارات    أمير تبوك يستعرض الجهود والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاق لوزان النووي والمتغيرات الدولية .. اللجوء لتسويات سلمية
رغبة الغرب في تحييد طهران في التشكل الدولي الجديد دفعت لإغلاق ملف الأزمة
نشر في اليوم يوم 10 - 04 - 2015

في نظرية الصراع وحل الصراع، يلجأ المنخرطون بالصراع، لتبني تسويات سلمية، عندما يتوصلون إلى نتائج مؤداها عدم القدرة على حسم الموقف لصالحهم، من غير اللجوء إلى التسويات. وفي هذه الحالة، فإن الحلول المرتقبة، ستحمل صيغة تعتمد على تقديم التنازلات من قبل مختلف الأطراف المنهمكة بالصراع، بصيغة لا غالب ولا مغلوب.
لكن النتائج التي تتضمنها التوافقات النهائية، في صيغة اتفاقيات أو معاهدات، هي رهن لثقل الأوراق التي يمتلكها كل فريق من الغرماء. فالأطراف التي تمتلك أوراقا مهمة، وبثقل أكبر من تلك التي يملكها الخصم، ستكون لديها مقدرة أكبر على فرض شروطها، بما يعادل ثقل تلك الأوراق، وتكون النتائج النهائية في صالحها.
في موضوع الملف النووي الإيراني، لم يكن من السهل التوصل إلى حل الأزمة، بين إيران والمعارضين لبرنامجها النووي قبل هذه المرحلة، رغم فرض حصار قاس على حكومة طهران، ورغم تهديدات متكررة بشن الحرب عليها.
كانت هناك شكوك دائمة في قدرة الغرب في شن حرب على إيران، ليس لأن قدرتها العسكرية، ستكون حائلا بين خصومها لتحقيق انتصار عسكري حاسم، بل لأن موقع إيران الجيوسياسي والحيوي، ظل عائقا مستمرا، حال بين الغرب، والإدارات الأمريكية المتعاقبة بشكل خاص، لشن الحرب عليها.
كانت إيران سابقا، هي طريق الحرير، وهي الممر البري الآمن للهند درة التاج البريطاني. وعندما اندلعت الحرب الباردة بين المعسكرين، الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تضاعفت أهمية موقع إيران.
فهي أولا تشكل مانعا بريا، يحول دون تقدم الدب القطبي للمياه الدافئة بالخليج، وللمناطق التي تتواجد فيها بكثافة الحقول النفطية، عصب الحياة للصناعة الغربية. وهي ثانيا دولة منتجة للنفط، السلعة الاستراتيجية التي يحتاجها الغرب بقوة. وهي ثالثا تشكل جزءا حيويا في القوس المطوق للاتحاد السوفييتي، والممتد من باكستان إلى تركيا، مرورا بإيران والعراق وسوريا ولبنان والأردن. وكان حلف بغداد، الذي تحول لاحقا إلى حلف المعاهدة المركزية، السنتو قد شكل لإحكام الطوق على السوفييت في خاصرتهم الجنوبية، على امتداد البلدان التي ذكرناها. كما أن موقعها كممر بري آمن إلى آسيا شرقا، ظل محتفظا بأهميته.
ولذلك لم يكن غريبا أن تتدخل وكالة الاستخبارات الأمريكية بشكل مباشر، في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم، للقضاء على حكومة الدكتور مصدق، التي عملت على تبني سياسات جديدة، تنأى بنفسها عن السياسات الغربية. فكان أن قاد رئيس الأركان الجنرال زاهدي، بدعم أمريكي انقلابا عسكريا أطاح بها، وأعاد شاه إيران محمد رضا بهلوي، حليف الولايات المتحدة الأمريكية إلى سدة الحكم.
وقد استمر التحالف الغربي مع إيران، إلى اندلاع «الثورة الإسلامية»، في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم. وحتى بعد تغير النظام الإيراني، واصلت أمريكا حرصها على عدم زعزعة الاستقرار في إيران، ولم تحاول استثمار واقع الدولة الديمغرافي الرخو، المشكل من أقليات وأديان ومذاهب وأعراق مختلفة. وحين اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، عملت الإدارة الأمريكية على ضبط إيقاعها، بتقديم المعلومات والمساعدات تارة إلى هذا الفريق وتارة إلى الفريق الآخر، مع سعي حثيث على ألا يؤثر ذلك في بنية الدولة الإيرانية، أو استقرارها.
هذه الاستراتيجية ظلت قائمة، حتى بعد بروز أزمة الملف الإيراني. وكان الإيرانيون واعين بشكل دقيق لأهمية موقعهم الجغرافي وباستحالة اتخاذ الإدارة الأمريكية قرارا جديا بشأن الحرب عليهم. ولذلك كان صوتهم عاليا ومتحديا باستمرار، للقرارات الدولية، وكان تعاونهم مع هيئة الطاقة النووية محفوفا دائما بالشكوك.
كان من الطبيعي بموجب هذه الحقائق، أن ترفض القيادة الإيرانية، وقف العمل في برنامجها النووي، وأن تتحدى الولايات المتحدة، التي لم تفرض عليها أي ضغوط سوى الحصار الاقتصادي، ولم تقدم لها في السابق أي محفزات تشجعها على ذلك.
وهكذا تمسكت طهران ببرنامجها النووي، الذي غدا خطرا ماثلا على المنطقة بأسرها، ولم تقدم أي تنازلات. واندفعت في بناء تحالفاتها الدولية، وبشكل خاص مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية، بما يضمن لها الاستمرار في استكمال برنامجها هذا.
راهنت إيران، في رفضها الانصياع للضغوط الغربية، خلال أكثر من حقبة من الزمن على أوراق قوية، منها موقعها الجغرافي، الذي أشرنا له. ومنذ احتلال أفغانستان والعراق، مطلع هذا القرن، وتحديدا بعد حوادث 11 سبتمبر عام 2001، المتمثلة في ضرب برجي مركز التجارة الدولي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطون العاصمة، أضافت إيران ثقلا جديدا لأوراقها التفاوضية. فقد قاد حلفاؤها بالبلدين المحتلين أمريكيا، وبشكل خاص في أرض السواد العملية السياسية، التي أعقبت الاحتلال الامريكي للبلدين.
وقد أعلن بعض المسؤولين الإيرانيين آنذاك، وعلى رأسهم أبطحي، أن أمريكا ما كان لها أن تحتل العراق لولا تنسيق القيادة الإيرانية معها.
ولا شك أن علاقة قيادة إيران الاستراتيجية بالحكام الجدد في العراق، قد مكنتها من مد عمقها الاستراتيجي غربا، لتصل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط. وكان لذلك أيضا ثقله السياسي، على جملة الأوراق التي بحيازتها. فالأمريكيون استثمروا كثيرا في أفغانستان والعراق، ولم يكن لهم أن يحققوا نجاحا نسبيا بالبلدين من غير التنسيق وتكامل الاستراتيجيات مع طهران.
أما الغرماء، فقد راهنوا على أوراق لا تقل أهمية من أوراق إيران. وكان الأقوى بين تلك الأوراق، هو التلويح المستمر بالحرب، والاعلان المتواصل عن النية في تدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بالقوة العسكرية. وكان الكيان الصهيوني، الذي كان حريصا على التفرد بامتلاك السلاح النووي في المنطقة بأسرها، هو الأكثر حماسة للضربة العسكرية.
يضاف إلى ذلك، أن إيران تعرضت بسبب تمسكها ببرنامجها النووي لحصار قاس اقتصادي ومرير، شمل حرمانها من استيراد ما تحتاجه لتطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية. وقد حالت العقوبات الاقتصادية دون تمكينها ليس فقط من زيادة صادراتها النفطية، بل حتى تصدير حصتها من النفط، التي أقرتها منظمة الدول المنتجة للنفط «الأوبك». وكان من نتائج ذلك أن عاشت عزلة دولية قاسية.
توصل الدول الست الكبرى وإيران، إلى اتفاق إطار بشأن الملف النووي بعد مفاوضات في مدينة لوزان السويسرية، يطرح سؤالا جوهريا عن الأسباب التي دفعت بإيران وغرمائها، إلى تخطي المعوقات التي ظلت قائمة أكثر من عقد، والتوصل في هذه اللحظة بالذات إلى هذا الاتفاق.
صيغة الاتفاق التي تمت بين المتفاوضين، تؤكد أن نتيجته لم تكن حاسمة ربحا أو خسارة، بل كانت وسطا بينهما بالنسبة لكل الفرقاء. وهو ما يشي بأن أوراق التفاوض بين الفريقين تقترب لمستوى التعادل، على الأقل حتى هذه اللحظة. فالاتفاق استند على أساس تخفيض طهران من قدرتها على تخصيب اليورانيوم، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، كما ترى طهران، والرفع التدريجي لهذه العقوبات، كما يراه المفاوضون من الطرف الآخر.
من وجهة النظر الإيرانية، وكما أعلن الرئيس روحاني، فإن الاتفاقية تفتح صفحة جديدة في العلاقات مع العالم وتساهم في إنهاء النزاعات في المنطقة. كما أنها تحفظ حقوق إيران النووية.
أما الدول الست، التي فاوضت إيران فترى أن اتفاق لوزان يقيد أنشطة إيران النووية التي ستسخر للاستعمالات المتعلقة بالأغراض السلمية فقط. ووافقت إيران في مفاوضاتها مع مجموعة 5+1)، على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم من 19 ألف جهاز إلى 6104، وستقوم بتشغيل 5060 منها فقط، بموجب هذا الاتفاق.
ولذلك تم وصف هذا الاتفاق من قبل مختلف الغرماء بالتاريخي، وبأنه يمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق نهائي نهاية شهر يونيو برعاية مجلس الأمن الدولي.
هناك أسباب عديدة، دفعت بإيران وغرمائها للعمل على إغلاق ملف الأزمة. لعل أهمها رغبة الغرب في تحييد طهران في التشكل الدولي الجديد الذي يشرف على الانبثاق، مع عودة روسيا بقوة إلى المسرح الدولي، والنمو الكاسح للاقتصاد الصيني. وليس أدل على ذلك من التزاحم الملحوظ للشركات الأمريكية، للمشاركة في بناء الاقتصاد الإيراني، حتى قبل إعلان إنهاء العقوبات الاقتصادية عن طهران.
إن الأوضاع السياسية المتردية في العراق، تتطلب مزيدا من التنسيق بين البلدين. ولن يكون ذلك ممكنا على أحسن وجه، في ظل حالة توتر العلاقات بين أمريكا وحلفائها من جهة، وطهران من جهة أخرى. إن ذلك يعني أن الأيام القادمة ستشهد تنسيقا أعلى بين البلدين لمواجهة تنظيم داعش في العراق، وربما يصل ذلك إلى التنسيق فوق الأراضي السورية، خاصة بعد التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري عن حتمية التنسيق الأمريكي مع القيادة السورية، وتلويحات أوروبية أخرى مماثلة.
يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما، الذي حمل مشروعه الانتخابي برنامج التخلي عن الحروب والانسحاب من أفغانستان والعراق، يطمح في إنهاء دورته الانتخابية الثانية، بحدث تاريخي، يجعله بطلا للسلام، ويؤهله لحيازة جائرة نوبل، كزعيم أنهى أزمة في بقعة هي من أكثر مناطق التوتر في العالم.
أما القيادة الإيرانية، فإنها تشعر أنها خسرت كثيرا بالحصار الاقتصادي المفروض عليها. وأن مسؤولياتها المالية في المنطقة قد تضاعفت، وأصبحت عبئا عليها. وأنها بهذا الاتفاق، ستتمكن من حل أزمتها الاقتصادية، وستحافظ على منشآتها النووية السلمية، من التدمير وتتجنب حافة الحرب، وتحافظ على مكاسبها الاستراتيجية في عموم المنطقة.
ويبقى الموضوع بحاجة إلى تأصيل وتحليل أعمق في قراءات قادمة بإذن الله.
مفاعل نظنز النووي الإيراني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.