على الرغم من تراكم القضايا والهموم العربية، واتساع دائرتها، إلا أنه ولأول مرة، ومنذ أمد بعيد، تنعقد القمة العربية في ظل أجواء تفاؤلية من كافة الشعوب العربية التي ردّتْ لها (عاصفة الحزم) الاحساس بالكرامة، والشعور بقوة الأمة، وقدرتها عبر تحالف قياداتها على التصدي لكل أسباب ذلك الهوان الذي أصاب الأمة، ومزّق صفها، وأتاح الفرصة لقوى اقليمية لاستثمار غياب التنسيق العربي، للتغلغل في مفاصلها، وزرع الفتنة في صفوف شعوبها، ودفعها باتجاه التخندق المذهبي أو اصطفافات المحاور، كل هذا على حساب غياب العمل العربي المشترك، وانشغال كل قطر بهمومه ومشكلاته الخاصة، لتأتي عاصفة الحزم قبل انعقاد القمة بأيام قليلة، لإنقاذ الشعب اليمني من افتئات بعض فئاته على قراره الوطني، وتهديد أمن المنطقة، لتعيد لهذه الأمة كرامتها، وتشعر شعوبها بأنها قادرة على التصدي لكل القوى التي لا تريد لهذه الأمة خيرا، ثم لترفع معدلات التفاؤل في وجدان الشعوب العربية قاطبة، على أن هذه الأمة تمتلك كل عناصر القوة بإذن الله متى انصاعتْ لرؤية المخلصين من أبنائها، وأنها مؤهلة بالتالي لأن تدافع عن نفسها وعن حقوقها وبسواعد أبنائها. وكما يتضح من خلال الكلمات الافتتاحية لمؤتمر القمة في شرم الشيخ المصرية، ومضامينها التي عكستْ إيمان القيادات العربية بأثر موقف دول التحالف بقيادة المملكة في إعلان عاصفة الحزم على فتح الباب مجددا، وكما لم يسبق من قبل، لإعادة العمل العربي المشترك إلى الطريق الصحيح، لتحييد القوى الخارجية عن التغلغل إليه، ثم لإعطاء الرسائل اللازمة للآخرين على أن هذه الأمة لا تزال حية، ولا تزال بإذن الله قادرة على تنقية مجتمعاتها وشعوبها من مخاطر التدخلات الأجنبية، والعبث بنسيجها الاجتماعي من خلال اشعال نيران المذهبية لاستغلالها كحصان طروادة لضرب هوية هذه الشعوب، والسماح للتنظيمات الإرهابية لجرها إلى ما هو أسوأ. وهو ما بدا واضحا في تلك الكلمات التي دعمتْ هذه العملية، وأعلنت وقوفها معها، وحيّت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله على حسن تقديره للأمور، وهو الذي رعى الحوار، ودعا إليه، وأعلن عن فتح أبواب الرياض تحت مظلة أمانة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، سواء قبل أو بعد عاصفة الحزم التي أكد يحفظه الله أنها جاءت لحماية أمن اليمن، والمنطقة، وحماية السلم الدولي والممرات المائية الدولية، كصيغة لا بد منها لإعادة الجميع إلى طاولة الحوار باتجاه الحل السلمي الذي يحفظ سيادة واستقلال اليمن، وبقاء قراره بيد أبنائه، بعدما لم تفلح كل الدعوات للحوثيين ومن يقف خلفهم للانخراط في الحل السلمي، واحترام مخرجاته. والآن، وبعد أن أسستْ هذه العملية التي استردت هيبة الأمة، وأشعرتها بقدرتها على إعادة التوازن الجيوسياسي في المنطقة، لم يبق سوى أن تستثمر قمة شرم الشيخ في دورتها السادسة والعشرين هذا المناخ الايجابي، لتعيد صوغ العمل العربي المشترك بما يغنيه عن تدخلات الآخرين، وبالتالي إيصاد كل الأبواب في وجوه الطامعين والمتربصين، لتتوازى مقرراتها مع تفاؤل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، ولتشكل قوة رادعة ومؤهلة لتفكيك عقد الأزمات العربية وتعقيداتها، ثم لتنصرف كلية إلى قضيتها المركزية التي تراجعت للأسف بفعل تنامي النزاعات على امتداد ساحة الوطن العربي، وهي بالتأكيد فرصة تاريخية، كشفتْ للأمة مكامن قدراتها متى أحسنتْ استثمارها، لتأخذ مكانها بين شعوب الأرض، ولتكون لها كلمتها الحاسمة، في عالم لا يحتفي ولا يحفل إلا بالأقوياء.