بين الفترة والأخرى تخرج دراسات تنعت المجتمعات العربية بأنها مجتمعات لا تقرأ، وكأن هذه الدراسات تقرأ من كتاب واحد، فالأرقام في كل مرة تكاد تكون متطابقة لا جديد فيها إلا أن تؤكد أن الإنسان العربي يعيش في عالم ليس للكتاب فيه نصيب إلا ما ندر، لن أدخل في تحليل هذه الإحصائيات ومدى دقتها، خشية أن أصيب القارئ العربي بالإحباط وربما النفور من الكتاب، فربما قال بعد أن يقرأ هذه الإحصائيات، إن كان هذا حال مجتمعاتنا فلماذا أكون الوحيد بينهم الذي يقتني الكتب، ومن هذا المنطق أرى البعد عن هذه الإحصائيات على الأقل في هذا المقال أسلم لي أنا على المستوى الشخصي حتى لا أكون سببا في إحباط قارئي، رغم تقديري لهذا الدراسات. سوف أتحدث في هذا المقال عن مجتمعي الذي أعرفه وكيف يتعاطى مع القراءة مع بعض الإحصائيات الايجابية، والانطباع الشخصي بحكم معرفتي ببعض المناشط الثقافية المرتبطة بالكتاب، ككاتب ومشتغل بالعمل الصحفي، ففي معرض الرياض للكتاب على سبيل المثال سنويا كنت استمع من الناشرين العرب والخليجيين أن القيمة الشرائية للكتب في معرض الرياض مرتفعة قياسا بمعارض الكتب العربية، بل لا أخفي سرا أنني زرت معارض كتب خليجية ووجدت نفس هؤلاء الناشرين يؤكدون لي بأن الطلب على الكتاب في معرض الرياض لا يقارن مع دول الخليج مجتمعة، مما يجعل كفة معرض الرياض ترجح عليها مجتمعة، وهنا قد يقول قائل إن هذا الأمر طبيعي قياسا بمساحة المملكة الشاسعة التي لا تقارن بدول الخليج، وهذا الكلام صحيح فالمساحة توضع في الاعتبار، ولكنها لا تكفي لو لم يكن الفرد السعودي متعطشا للكتاب وباحثا عنه، ففي الاحساء وهي تعادل ربع مساحة المملكة أكاد أن اجزم بأنها تشهد حركة تأليف شبه أسبوعية ففي إحصائية مبدئية عملها أحد الزملاء ذكر أن تأليف الكتب في العام المنصرم 1435ه كان ما بين 120 إلى 150 كتابا متنوعا ما بين قصة ودراسة وسيرة ذاتية وتراث وغيرها من المجالات وهي إحصائية مبدئية وأن العدد ربما تجاوز هذا الرقم بكثير، مع ملاحظة أن النسبة الكبيرة من هذه الكتب كانت لجيل الشباب، مما يعني هذا أن الأحساء تشهد ولادة مثقف جديد مع صدور كل كتاب، فهذا حال ربع المملكة ممثلة بالاحساء، فكيف اذا تحدثنا عن منطقة الرياض ذات المساحة الكبيرة والكثافة السكانية العالية وأضفنا المنطقة الغربية وغيرها من مناطق المملكة، ففي إحصائية قدمها القاص خالد اليوسف ذكر أن في عام 1435ه صدر في المملكة أكثر من 409 كتب متنوعة بين قصة قصيرة وتاريخ ونقد ومسرح وغيرها، وهذا يعني أن في كل يوم يتم ولادة أكثر من كتاب جديد في المملكة وهو رقم يدل على نمو حركة التأليف في السعودية، مع التأكيد أن هذا الرقم تقريبي، أي ما توصل إليه الباحث خالد اليوسف، وأن العدد ربما تجاوز هذا الرقم، إضافة لو عرفنا كم يطبع من كتاب في السنة للدول المجاورة للمملكة، ومنها بعض الدول العربية، ربما اتضح لنا مقدار ما تنجزه المملكة في صناعة الكتاب سنويا، وأن الرقم التقريبي الذي توصل إليه الباحث خالد اليوسف قد يجعلنا متقدمين على الكثير من هذه الدول، بل ربما أجزم أن هذا الرقم يجعلنا في حالة تنافس معه لنتجاوزه في هذا العام، وهناك معادلة بسيطة تقول طالما هناك حركة تأليف من البديهي أن تكون هناك حركة قراءة، فكثرة التأليف في أي مجتمع دليل على كثرة القراءة التي تسبق عملية التأليف. لست متفائلا في غير منطقة التفاؤل كما قد يتبادر للبعض، ولكنها بعض الإحصائيات الإيجابية والانطباعات التي تكاد تصادفني أسبوعيا، رغبت أن انقلها إلى القارئ ليرى معي المساحة الممتلئة من الكأس، وأن الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة نحو الكتاب حراكا بات ملفتا للباحثين، ولكل مراقب ومعني في الكتاب. إضاءة: قيل لأرسطو كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابا تقرأ وماذا تقرأ؟ * إعلامي متخصص بالشأن الثقافي