يتجدد معرض الرياض الدولي للكتاب، وتتجدد كل الأسئلة والأمنيات حول القراءة والتأليف والنشر، أهمها تلك الإحصائيات التي تشير إلى التدني المخيف لمعدلات القراءة والتأليف في العالم العربي، والتي يعترض عليها البعض بأنها لا تعطي مؤشرات حقيقية، وآخرون يقولون: إن المدن الرئيسية تقرأ بمعدلات أعلى بكثير من القرى والمدن الصغيرة في الأطراف. وهذا ما يؤثر على المعدلات العامة، وإن كنت شخصيا لا أستبعد هذه الأرقام المتدنية نظرا لما نراه من سلوك الناس حولنا في القراءة. كيف يمكن أن نعلم أولادنا القراءة ونجعلها سلوكا للحياة؟ والسؤال الذي يسبق هذا: هل يجب أن نعلّم أبناءنا القراءة؟ أي أن تكون القراءة المستمرة خارج نطاق التعليم المدرسي جزءا من حياتهم. أم أن القراءة هواية وميول علينا أن ننظر أولا هل يحبها ابننا أم لا، فإذا لم يكن ابننا يمتلك هذا الميل فليس علينا أن ندفع به باتجاه لا يحبه. يولد الإنسان بحواسه الخمس، وتنفذ أرواحنا إلى الوجود من داخل الجسد عبر هذه الحواس، لكنه لا يولد قارئا، بل إن البشرية لم تخلق قارئة، فلم يخترع الإنسان الكتابة إلا قبل سبعة آلاف سنة، ولم تدر عجلة الكتابة إلا بعد اختراع الصينيين للورق المصنوع من الخشب. فالكتابة هي ثقافة الجزء الأخير من تاريخ البشرية. لكن يبدو أنه لا مجال اليوم للفهم والمعرفة دون القراءة. إنها العلامة التي اعتمدها الإنسان لكتابة تاريخه وفهم ذاته والوجود من حوله. فمع كون القراءة ليست حاسة فطرية، لكنها تبدو من الأهمية بمكان، بحيث تفوق هذه الحواس في أهميتها. القراءة ليست ميولا يكتشفها الأطفال، بل سلوكا يتعلمونه. ويدركون أنه لا مجال للاستغناء عنه. فكما يفهم الرياضي أن تمارين العضلات وليونتها تبقى لياقة الجسد عالية، فكذلك العقل والروح لا يستطيع أن يبقى متيقظا إلا بتوقد الذهن. والذي نستطيع أن نقوله: إن القراءة أهم وأولى خطواته. ما الكتب التي يجب على الجميع قراءتها؟، ما أساسات العلوم، ما الكتاب الذي تنصح بشرائه في معرض الكتاب القادم؟ هذا هو السؤال الأكثر تكرارا في هذه الأيام.. وهو السؤال الأصعب.. ذلك أن القراءة بصمة شخصية، واختيار الكتاب هو أشبه باختيار الأصدقاء في حياتنا، فمن يروق لي ويكون مفيدا وقريبا من النفس ليس بالضرورة أن يكون كذلك مع غيري، وكما أن الأرواح جنود مجندة، فالكتب شيء شبيه بذلك.. بل إن الكتاب نفسه قد يكون قريبا في لحظة ما لها سياقها التاريخي والنفسي ولها همومها وأسئلتها. لكنه يفقد كل تلك الأهمية في لحظة زمنية أخرى. لو بحثت على الإنترنت عن أفضل مائة كتاب، أو أهم مائة كتاب في التاريخ، ستجد عدة قوائم، أعدتها جهات مختلفة، والقواسم المشتركة بينها عالية، خصوصا تلك الكتب التي تعد مصادرا للأدب والمعرفة العالمية. فما ينبغي على المرء أن يكون ملما بهذه المائة كتاب حتى يكون مشاركا في المعرفة البشرية. كما أن الكتاب وسيلة للمعرفة، فهو كذلك سلطة على العقل، وفرق بين أن نقول: إن هذا الكتاب هو الأهم، أو أن نقول: إن هذا الكتاب هو الأقوى تأثيرا، فكونه الأشد تأثيرا، يخضع لشروط تاريخية كثيرة، يعود لمجموعة من السلطات المرئية وغير المرئية، المحسوسة وغير المحسوسة. فهل الكتب الأكثر مبيعا اليوم، هي الأهم والأكثر فائدة.. في سياق ظهور الشيوعية مثلا، وفي ظل وجود دولتها ستكون كتب الشيوعيين هي الأكثر انتشارا، وكذلك الحال في السياق الليبرالي الرأسمالي، ومثله في السياق الديني، ومثله في السياق الطائفي أو العنصري.. الكتب التي أثرت في لحظة ما أو تاريخ ما أو ثقافة ما، لا يعني أنها الأهم أو الأفضل.. ولكن يعني أن ثمة ما جعلها الأهم. هل يجب علينا أن نجاري التاريخ والسلطات الكامنة فيه ونعيد إنتاج هذه القوائم للكتب الأكثر تأثيرا، ونساهم في تكريس سلطتها، أم علينا أن نكون أكثر تحررا من ربقتها، ونساعد المعرفة في تشكيل منعطفات جديدة. والتي لا نستطيع تبرئتها أيضا من سلطات حديثة ومختلفة. لكنها على الأقل ستكون لينة يمكن كسرها. * كاتب