رغم أن مهرجان السينما السعودية حظي باهتمام إعلامي وجماهيري لا بأس به قياسا بمهرجان المسرح، ولعل لوجوده في أحضان مدينة الدمام دورا في هذا، إلا أن شعورا يخامر المراقب بأن هناك الكثير مما لم يقل ومما لم تلتقطه الصورة، هناك الكثير مما سبق الحكاية من إرهاصات جعلت مجرد ولادته أمرا صعبا ناهيك عن ظهوره في ليلة عرسه في هذا البهاء والسعادة التي غمرت كل من حضر. مع كثير من الخجل أقول إنني حضرت متأخرا فلم أشهد سوى ليلة واحدة من المهرجان هي ليلة الختام ولكن هذه الليلة كانت ليلة استثنائية من العمر، أشعرتني بأن المنظمين وعلى رأسهم أحمد الملا خاضوا معركة مع الوقت وصراعا مع الزمن لكي يتخطوا ظرفهم الزماني ليوجدوا هذا المنجز الذي يقول عنه جميع الحضور إنه متجاوز لظرفه الزماني والمكاني وإن كل ما يمكن أن يقال من ملاحظات لا يساوي سوى نسبة متضائلة أمام الإنجاز. إن معايير نجاح أي عمل يمكن قياسها من خلال عوامل داخلية وخارجية، فمقدار الاجتهاد معيار لا ينظر إليه عادة في الثمرة النهائية إن لم ندقق النظر في عملية حفر ترجع بنا إلى الوراء أو تغوص بنا عميقا في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمكان. وهذا ما يجعل تفاصيل كثيرة من ملابسات وظروف خروج هذا المهرجان للضوء عصية على التقاط الكاميرا، وكأن المهرجان قد ولد فجأة بلا مقدمات و«في لمح البصر» كما عبر أحمد الملا في كلمته في حفل تسليم الجوائز. ولأن هذا المهرجان قد اجتاز ظروفا استثنائية لكي يولد في هذا المكان فإن الدهشة والفرحة كانت طافية على وجوه المشاركين ولا سيما الذين أتوا من دول خليجية مجاورة ليشاركوا في تحكيم هذا المهرجان وليشاهدوا ما لم يتوقعوه من حيث الكم والنوع من جهة ومن حيث القابلية وإمكانية التطور والانفتاح على آفاق أوسع من جهة أخرى. ما لم تقله الكاميرا هو أن حجم الحدث كان كبيرا لكن حجم السعادة كان مستحيلا على التسجيل وأن لوحة المشاعر الطاغية التي رسمتها أنامل مبدعة من أجيال مختلفة وحدها فن الصورة السينمائية وكان عرسها المبهر في ليلة تتويج الفائزين، وهذا ما جعل أحمد الملا يعتذر لي عن المشاركة معي في الاستطلاع بأنه لا يعرف ما يقول فهو «فرحان»، نسأل الله تعالى أن يديم هذه الفرحة على جميع الوطن وأبنائه.