ترك الأثر.. هذا ما ننشده دائما، ولكن أي أثر هذا الذي علينا او يجب علينا ان نتركه؟ هذا هو السؤال الأهم الذي جعلنا وجعل المثقفين يستدعون "المربد"، ليكون اثرا خالدا في مسيرة صحيفة "اليوم" وفي الساحة الثقافية المحلية والعربية. لا اعتقد ان ثمة مثقفا يدرك او ينشد تاريخ وابعاد الثقافة هنا في المملكة ينسى او يتناسى هذا الأثر (وانا اطلق عليه أثرا مجازا) فهو جزء من تاريخ ثقافة وصحافة هذا الوطن. لا احد يستطيع الا يذكر او يتجاهل اسماء كثيرة، ما زال الكثير منها يقدم ويثري الساحة بابداعه وفكره، فلا احد يستطيع ان يتجاهل مثلا: اسم محمد العلي وعلي الدميني وجبير المليحان ومحمد الصويغ وعبدالعزيز مشري وعبدالرؤوف الغزال، وبالطبع خليل الفزيع ومحمد رضا نصر الله واسماء عديدة من المملكة والوطن العربي شاركت في اخراج المربد الى الوجود وعايشته.. والمساحة هنا تضيق لو سردت كل الاسماء. ولأن الأثر باق بل وامتد باسماء مغايرة ليتحول الى (اليوم الثقافي) ثم الى (الجسر الثقافي)، ويضيف الى قائمة الأسماء المربدية اسماء عديدة، يتقدمها الراحل شاكر الشيخ ومحمد الدميني وحسن السبع ومبارك الخالدي وغيرهم، فإن تاريخ «اليوم» والذي وصل الى الخمسين عاما يقف امام هذا الجهد المضيء، والذي حدا برئيس التحرير عبدالوهاب الفايز ان يعمل جاهدا على استعادة هذا الوهج وتألقه. انني هنا لن اتعرض لتواريخ محددة او لأسماء عديدة عملت بابداع وجهد من اجل ثقافة الوطن عبر "اليوم" فذلك تاريخ يحتاج الى مساحة ربما تكون مشروع كتاب. وامتدادا للأثر والتفاعل الذي اثاره ملحق (الجسر الثقافي) الماضي من ثناء وتصحيح لتواريخ وسير معينة، عندما قدم مسيرة موجزة لثقافة «اليوم» منذ المربد وحتى الآن.. كانت رسالة رجل عاش في دائرة الفعل الصحفي والثقافي لسنوات وان كانت قليلة. انه الدكتور عبدالواحد الحميد الذي عايش الوهج الثقافي في "اليوم" وكان يجيز المواد الثقافية حينها. د. الحميد بعث برسالة ثناء على الجهد الذي بذل في استعادة مسيرة ثقافة «اليوم» واستدعى ما كان يحدث من مفاوضات حول الحذف والاضافة ومناوشات واعتراضات بعض الفئات على ما ينشر، مما اضطره ذات يوم للذهاب الى مكتب مسئول ليشرح له ما كتب حينها حول نظرية "موت المؤلف". وينهي د. الحميد رسالته بان تلك الايام التي عايش فيها هذا العناء كانت جميلة ولا تزال تفاصيلها محفورة في الذاكرة. من المربد الى الثقافة ووقفة عند الموهبة المبدعة والتي حظي بها الابداع عربيا وعالميا نقول: الموهبة المبدعة التي تحيط بما حولها من مظاهر الوجود وتملك القدرة على التعبير عنها، والتي تبدع كما يقول (راسين) الشاعر الفرنسي (شيء من لا شيء) انما صقلتها الثقافة والتجربة الإنسانية التي يحتضنها وجدان الأديب أو الفنان، وانصهرت في شخصيته انصهارا كاملا حتى أصبحت جزءا هاما من مكونات تلك الشخصية وعنصرا رئيسا هاما من عناصر الإبداع فيها، فقدرة المبدع على الإبداع إنما هي نتاج التضافر والتلاحم والانصهار التام بين الموهبة والثقافة التي هي خلاصة التجربة الإنسانية في جميع مراحلها وفي شتى مناحيها، فالثقافة هي التي تأخذ بالفنان أو الأديب من داخل الذات الضيقة إلى رحابة الإنسانية، لكي يغوص بداخلها فاحصا ومتلمسا أغوارها فتهبه قدر ما يصل إليه فكره ومعاناته، ليفيض عنه إبداعا غنيا ومتعمقا يخرج به عن دائرة الوصف التسطيحي الذي قد لمسناه من خلال بعض النصوص الأدبية شعرا أو نثرا، والتي قد مرت بنا ووجدناها لم تتعد دائرة وصف الأشياء والتغني بجمالها الظاهري. تلك التجارب لم تغنها الثقافة فلم ترتق بمحاولاتها إلى خارج أسوار الحواس لكي تتلمس المطلق في محاولة المعانقة. فطغت علىها ذاتيتها وخصوصيتها. ومن هنا نستطيع ان نلمس الفارق بين شاعر وشاعر وأديب وأديب حين يتناولان موضوعا واحدا، فالانفعال الصادق، والقدرة على الانطلاق من الجزء إلى الكل، والتعمق في الرؤية، واكتشاف العلاقات التي تربط بين جزئيات التجربة، تلك هي سمات التجربة المثقفة التي تبدو في جوهرها عصرية. وهناك الكثير من التجارب المثقفة التي يمكن الاستشهاد بها من الآداب الأجنبية والعربية، من شكسبير في هاملت الذي عالج فيها مشكلة (الثأر) وبودليير في شعره عن غربة الإنسان وهمومه وأحزانه، والمعري في فلسفته للحزن والموت، وغيرها.. وغيرها.. من هنا ندرك دور الثقافة وأهميتها للتجربة الإبداعية.. وندرك أهمية ان يتثقف المبدع فإذا كانت الثقافة مهمة للفرد العادي فما بالك بأهميتها بالنسبة للأديب أو الفنان الذي سيكون ضمير بلده؟.