مرة أخرى يقدم د. محمد الطيّاش الخبير البيئي والأكاديمي المتخصص وجبة إنذارات جديدة عبر برنامجه في الإذاعة السعودية مع ضيفه المستشار م. عبدالله الشايع، ومع هذه الإنذارات هناك روح مشتعلة ومخلصة تخرج في كل حلقة مع صوت د. الطيّاش وزفراته التي تُلاقي المواطنين والمقيمين، حسرة على تكرار واستمرار كوارث البيئة في مدن المملكة وسواحلها. والسؤال يتكرر بقوة على المسؤول والفرد متى يستشعر الجميع أن قضية البيئة ليست ترفا ولا ثقافة معاصرة، بل هي نمط حياة وصحة وسلامة وحضارة تستغرق عمر الفرد وسلوكه من الطفولة حتى المشيب وأن غيابها يعني كارثة لا تراها كإعصار قادم أو موج يعصف بسفينتك لكنها تتخلل جغرافية المدن والسواحل والصحراء ثم تتمدد وتنهش في صحة النّاس وسلامتهم بالملايين، وتقتل عشرات الآلاف في هذا الزحف الصامت. وفي نموذج يُظهر حجم هذه الوحشية في انتهاك البيئة وسلسلة تفاقمها، تلقّى البرنامج المحتضن شعبيا وبتواصل حميم من النّاس اتصالاً من أحد المواطنين في حي النظيم بالرياض، قال إن الحي يعاني منذ فترة من عمل منتظم لعمالة آسيوية تقوم بحرق إطارات السيارات فتُخيّم على الحي غيمة سوداء، والغرض فقط هو لاستخراج كمية محدودة من الحديد، الاتصال الذي فاجأ واحبط د. الطيّاش أن هذا الملف حرق الإطارات وهو جريمة بيئية خطيرة، له ملف سابق ومتابعة من قبله ربط به بين المسؤولين في أمانة العاصمة وأهالي الحي، لاتخاذ اجراء حاسم وعقوبة تأديبية رادعة وهو مالم يحدث. يستأنف د. الطيّاش الحديث ويوضّح أن حرق الإطارات يؤدي الى تسرب مادة الديوكسين للهواء وهي مادة مسرطنة ومؤكدة علميا ومقطوع بها، ويكفي تسرب مليغرامات منها للإصابة، وحين تنتشر في الهواء تستقر في الأعلاف ومراتع الرعي فتنتقل من الأنعام مباشرة للحليب الذي يُعاد تصنيعه أو حلبه، فضلاً عن التسربات الأخرى لهذه المادة الفتاكة. فكيف يجوز التساهل مع مثل هذه الجرائم التي حين يعاقب العامل الوافد أو المواطن المحتضن لعملهم أو الممارس له فإن ذلك يردع البقية خاصة حين تُنشر هذه الثقافة في الإعلام، ومع هذه القضية طرحت قضية مصنع اسمنت الرياض وأن الهيئة العليا اتخذت قرارا بنقله، وهذا جيد لكن هناك بطْء في التنفيذ، كما أن هذا القرار يُذكر بمصنع اسمنت الاحساء الذي يصب أطنانا من الرذاذ الأسمنتي لعقود وتُنزع منه الفلاتر المشروطة لتشغيله في أوقات عديدة وتتسمم رئات الأطفال والكبار بذلك، فلماذا لا يُغلق حتى اكتمال الشروط الصحية ويُنقل الى خارج المدن ومحيطها وفي اتجاه دفع هواء يبعده عنها. هناك العديد من الأمثلة التي طرحت في هذه القضية، كالتساهل الشامل من مقاولي الحجر والرخام والسراميك واجراء عمليات قص وتفصيل داخل كل بيت، في حين ان الأصل أن يؤتى بالقطع جاهزة ويكتفى بتقطيع الزوايا الصغيرة، أما ما يجري فأنت تشاهد كمية الغبار من هذه الأحجار والمواد حين تقص بالمنشار الكهربائي بكثافة في كل بيت يُرمم أو ينشأ، فأين تذهب الأغبرة؟ هذا ما لا يستشعره النّاس، فمجرد ارتفاع غيمة الغبار لا يعني زوالها بل اختلاطها بكمية الهواء الذي يتنفسه القاطنون في الحي وخاصة أطفالهم الرضّع والتماس مع مواد وأطعمة تتداخل مع أجسادهم، وبالتالي المساهمة في نشر الداء ونقص المناعة الطبية، كما هو غازات عوادم السيارات التي بمجرد أن تبدأ بنفث مقدار أكبر لخلل في السيارة في دول عديدة توقف ويُعطى سائقها غرامة، لإلزامه بإصلاحها وضبط حارق العوادم. أمّا نحن فتعال وانظر الى الشوارع وقت عبور المركبات وازدحامها، كم هائل من الغازات من حرق البنزين والديزل، وخاصة سيارات بعض المقاولين، كلها تنفث سمومها على هذه الأحياء والشوارع لتسميم كل زاوية منه، ولو كانت خارطة الأمراض ترى بالعين المجردة كيف تنتقل من البيئة الملوثة لجسد الفرد، لأدرك النّاس كم هو جنون ما نمارسه ونسمح به ولا يحظى بمطاردة ومحاسبة من مسؤولي الأجهزة المعنية وبعضه عملية قتل صامت. نداء أخير بأن تؤسس هيئة تُعطى صلاحيات قوية ورادعة في شؤون البيئة ورقابة ملزمة تدفع لقيام المؤسسات المعنية بدورها، واعتقد أن المخلص الغيور د. الطيّاش هو الشخص الكفء لها.