هناك فرق جوهري كبير بين الدين وبين التدين، وان الدين هدفه الرئيس تربوي وايماني وانساني ومستقبلي، الا ان المشكلة تكمن في المتدينين وقدرتهم على تلوين الدين واحيانا اختطافه وجعله اديانا، عبر توظيف الدين لخدمة الصراعات والسياسات المختلفة. هناك انتشار كبير لنقد الدين في الدول الغربية واعتباره السبب الرئيس في الحروب والصراعات بين الدول والمجتمعات، وهناك من يربطون بينه وبعض النتائج الكارثية، كالحرب في افغانستان، واحداث 11 سبتمبر، والحرب العربية الاسرائيلية، وحرب داعش، والصراعات الطائفية العديدة، والحرب على المسلمين في بورما، وفي الشيشان، ولهم أدلتهم وادواتهم في هذا الجانب والتي تؤكد صحة مزاعمهم. لكن على الجانب الاخر ينبري اساتذة في التاريخ والاجتماع في استعراض اكثر مهنية، بالتأكيد بان الاديان ليست سببا باعثا على الحروب والدمار، وان الحروب الدينية التى مرت بها اوروبا، لم يكن سببها الدين، بل ان السبب الرئيس فيها هو تداخل المصالح، واتخاذ الدين اداة لتوريط المجتمعات في حروب مقدسة ظاهرا، لكنها كانت حروبا من اجل السيطرة والسلطة والثروة أحدهم قال (ان خطورة الدين تكمن في قدرته على التمييز بين البشر) وتقسيم العالم الى فسطاطين، محور للخير ومحور للشر، من هم معنا، ومن هم ضدنا، ولهذا يعتقد هذا الملحد بأن زوال الأديان سيبشر بالامن والسلام والاستقرار ويعزز المساواة بين البشر. الملفت للانتباه ايضا ان تقريرا صدر قبل اسابيع عن معهد الاقتصاد والسلام (سينشر الملف السياسي ل «اليوم» ملخصا له) ويقع في 94 صفحة يرى ان ليس هناك رابط يؤكد وجود علاقة بين الاديان والحروب، وان العديد من الحروب التي نشبت كانت بسبب النزاعات والصراعات على المصالح الاقتصادية ومد النفوذ، وان الدين يجر جرا لأتون هذه الصراعات. وفي احدى اوراقه يؤشر تقرير معهد الاقتصاد والسلام على ان ارتفاع عدد المتدينين ليس سببا في عدم الاستقرار والحروب، وارتفاع عدد (الملاحدة) ليس سببا في تعزيز الامن والسلام، وان الصراعات وعمليات القتل والجريمة في المجتمعات التي كانت تحارب التدين، كانت عالية جدا، بينما تضمحل في الدول التي يكون فيها التدين غالبا، غير انه وازن بين التخلف وعوامله والتطور ودوره، ووجد ايضا ان لكل بيئة ادواتها في التعبير عن نفسها، ما يعني ان الارهاب او الجريمة ليس قاصرا على التخلف مثلا، ففي البيئات الاجتماعية الاكثر تطورا هناك جرائم لا تتناسب وطبيعة هذا التطور مثلا. لكن هناك دورا كبيرا لوسائل الاعلام في اختزال الصراعات في الجذر الديني، وكأنه محراك للشر والصراع، والناظر لمساحة ما تشغله داعش في الاعلام الغربي يجد ان نسبة الاشغال تكاد تصل الى 90% اي لا يوجد وسيلة اعلام لا تظهر خبرا او صورة او تحليلا عن داعش وتطرفها ودمويتها، وعن الاسلام وعن الصراعات داخل البيت الاسلامي، ومع ذلك هناك تقارير تؤكد ان هذه الجماعات متخادمة استخباراتيا مع دول اقليمية ومع امريكا وروسيا وان هناك مخططا لتشويه صورة الاسلام وخلق مزيد من التناقضات في داخله (حرب من الداخل) وأن بعض القائمين على داعش مثلا هم مهربون ومافيات وان رفعوا راية الاسلام، مثلما يقوم فيلق القدس مثلا بالباس مجنديه لباس داعش والاقتصاص من بعض مدن الجنوب العراقي لترهيب العرب الشيعة. ايران لا يعنيها المذهب او الدين الا اذا خدم اهدافها ومصالحها، والغرب سيورط ايران قريبا في صراع مع طالبان في افغانستان مرة اخرى، ويدرك الايرانيون ان معركتهم مع طالبان خاسرة منذ الآن، ولكن هذا هو الطلب الأمريكي. كما ان الامريكان قدموا المفاوضات النووية الايرانية سبعة اشهر قادمة، وهم يعلمون انهم لو وقعوا اتفاقا مع ايران في الوقت الحالي، فواشنطن هي الخاسرة، وان على ايران اذا ما ارادت النفاذ بجلدها ان تقدم مزيدا من التنازلات لواشنطن كما قدمت من قبل بإسقاط طالبان، وصدام حسين، والان لا بد من التعاون لاحداث تغيير في المعادلة السورية والعراقية، لكن مع قيام تحالف غير معلن من افغانستان الى تركيا لمواجهة التدخل او الحضور الروسي في المنطقة. التئام مجلس التعاون الخليجي والبيان التكميلي وعودة السفراء، واحتمال عودة العلاقات المصرية القطرية، يؤذن بمعالم قوة في وحدة القرار السياسي الخليجي والعربي، وهذا سيكون له اثره في السياسات والتوازنات الاقليمية، وسيكون دافعا لبعض القوى لإعادة صياغة سياسات عقلانية نحو المنطقة كتركياوايران حل الملف النووي الايراني، ليس كما تصوره ايران بأنه من مقومات القوة للدولة الايرانية وللشيعة في العالم، وليس كما قيل عن اسلامية القنبلة النووية في باكستان، فعوامل القوة هذه ليس لها علاقة بالدين بل بالدولة ودورها ومكانتها وصراعاتها الاقليمية، وبتوازنات القوة ايضا، واحيانا لها علاقة بالتطلعات ومد النفوذ اذا ما تلازمت مع مشروع سياسي وديني ايضا، فايران منذ 1979 وهي تحلم بتصدير الثورة، ونحن نعلم بأنه تصدير للمشكلات الداخلية، ومخاوف من استحقاقات داخلية ليس الا. ما صدر عن المرجع الديني الايراني وحيد خرساني، من ان حل أزمة الملف النووي الايراني تقتضي انفتاحا حقيقيا على السعودية، واحد من العوامل الرئيسة لتحقيق الاستقرار الاقليمي. خرساني قال الحل الوحيد لحل أزمة الملف النووي الايراني هو توجه الرئيس رفسنجاني للرياض، والرياض قالت ان الحوار مع ايران مشروط بالاجابة الواضحة عن الأسئلة السعودية والملفات الاقليمية، وهو السؤال الذي اجاب عليه رفسنجاني بقوله (يطلبون مني الذهاب الى الرياض ولا اعتراض لدي، ولكن ماذا اقول للسعوديين ما هي صلاحياتي، ماذا سأجيب السعوديين عن تساؤلاتهم، وهل لي ان اعقد اتفاقا معهم، والامور جميعها بيد المرشد الاعلى علي خامئني، انا لا استطيع الذهاب بلا صلاحيات واضحة) الاسئلة ليست سعودية فقط بل الاسئلة هذه المرة اصبحت جزءا من اهتمامات المجتمع الدولي وتتمثل في: * وقف ايران دعمها للتنظيمات المتطرفة والحركات الارهابية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول واثارة حالة عدم الامن والاستقرار في المنطقة، والكف عن الاثارة الطائفية واستخدام الدين لتأجيج الصراعات الداخلية * ان يضمن المجتمع الدولي أن يكون الملف النووي الإيراني مخصصا للنشاط السلمي، وان تتم مراقبة أنشطته بشكل دقيق وواضح ودوري من قبل المنظمات الدولية.