إذا أردنا أن نحكم على ثقافة أي شعب من شعوب الأرض علينا أن ننزل إلى الشوارع و الأسواق والاحتكاك مع عامة الناس والتعامل معهم بكل أطيافهم, في هذه الأماكن نجد المتعلم والجاهل والحكيم والأحمق والغني والفقير إلخ. الأماكن العامة المرآة الحقيقية وهي بمثابة الترمومتر المنصف الذي لا يماري ولا ينافق- ياترى من يزورنا, ماذا نتوقع أن ينقل عنا من خلال مشاهداته لشوارعنا وأسواقنا؟ في بلدنا الكثير من التصرفات التي تجمع بين الجميل والأقل جمالا! وهناك تصرفات فردية عبارة عن نقاط سوداء في لوحة كبيرة وجميلة من هذه الأمثلة, (1)ثقافة الانتظار في الصف (الطابور) وهذه متجذرة في الكبير قبل الصغير, وهذا الكبير زرعها عمليا فيمن بعده. انظروا إلى تصرفات الطلاب في الصفوف الأولى كيف يركبون أو يتراكمون في الباصات, أيضا كيف يتعاملون مع المقصف الذي قصفهم بأكل " قليل الجودة عالي السعر والسعرات"!. هؤلاء الطلاب تنقّلوا في المراحل الدراسية وانتقل معهم عدم احترام الصفوف والانتظار حتى الجامعة, وشوراعنا وإشارات المرور شاهد حي على ذلك. (2)ثقافة الا عتذار, هناك الكثير من العامة ممن يعتبر الاعتذار علامة ضعف واستكانة وخذلان, وعلى هذا المبدأ عاشت و عشعشت هذه الأفكار في رأسه, ويتوجب على من يهمه رسم لوحة جميلة لبلده أن يغرس في أولاده هذه السلوكيات عن طريق التطبيق مبتدئا بنفسه, لأن أبناءنا يطبقون ما نفعل ويتجاهلون ما نقول وكما قيل, الأفعال أشد وأقوى تأثيرا من الكلمات. (3) ثقافة الجهل بالتعامل بالجمل الآتية أو تجاهلها مع الآخرين مثل ,(ممكن لو سمحت), (فضلا لا أمرا),(شكرا)، (آسف)، (أعتذر)، (أنا غلطان)، أذكر أحد الشباب عندما كنا نناقشه في استخدام الجمل اللطيفة بما فيها (شكرا) لمن يقدم لك خدمة, رد بصلافة, «وليش أشكرهم, هذا واجبهم ومدفوع لهم رواتب!» وهذه معضلة أخرى بحد ذاتها أن يقارن أبجديات الآداب بالرواتب والرتب! (4) ثقافة تقييم البشر عند البعض بناء على جنسياتهم, قبائلهم, مذاهبهم, والمؤسف حقا عندما يتقدّم أكثر من شخص لوظيفة لن تسمع كيف سيرته الذاتية (CV) عند هؤلاء, بل ستصدمك العبارة التالية "وش من لحية" وحتى لا نظلم من يقولها على الإطلاق, القصد هنا من يفضل المتقدم لأنه من نفس القبيلة أو المذهب, ومثل هذه المعايير (المضروبة) ستخل بالجودة في كل منظمة هذا ديدنها في القبول مما ينعكس سلبا على إنتاجية وثقافة المجتمع ككل. (5) ثقافة الاختلاف, هذه المعضلة تحتاج من كل أسرة أن تغرس في أبنائها تقبّل الآخر ممن يختلف معهم في أفكارهم وتوجهاتهم وحتى في ميولهم الرياضية, إن لم يتعوّد الشاب منذ صغره على احترام من يختلف معه من البيت لن يتعلم من الشارع, يخطئ من يعتقد ان مثل هذه السلوكيات تحتاج منهجا دراسيا, السلوك يُكتسب من الممارسة والمحاكاة والاسرة التي تربي الأبناء على قبول الاختلاف واحترام من يختلف معهم, سوف يبحر الأبناء في المجتمع بقارب ملئ بالود والورد. من وجهة نظر متواضعة ما ذكرته من أمثلة، مجرد عينات، لكن الأهم مما يحتاجه المجتمع, نحتاج من يقدّس حقوق الآخرين في الصف وفي غيره, نحتاج من يملك شجاعة الاعتذار ممن تعدّى على الآخرين بغض النظر عن الفوارق الاجتماعية, نريد أن نكون لطفاء في تعاملاتنا, وحتى تكتمل الصورة الجميلة, نجعل المفاضلة بين المتقدمين على العمل مبنية على ما يملكون من خبرات لا على ما يملكون من علاقات وفيتامينات!!!!. هل تتفقون، خاصة ونحن في يوم عرفة, أنه من السهل جدا ان نتكاتف جميعا في رسم لوحة جميلة تعكس أخلاقنا وتراثنا والأهم معالم ديننا الحنيف الذي ينبذ العنف ويدعو إلى التعايش والحب والسلام.