إذا سألت قبل عدة أسابيع عن المرشح الأول لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، فإن الأنظار ستتجه على الفور إلى حاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي، المعروف بحدة لسانه ووقوفه صلبا أمام اعصار ساندي، الذي دمر سواحل الولاية. أما اليوم فلا أحد يرغب بالجلوس بقربه، حتى أثناء متابعة مباراة رياضية؛ بسبب قضية شغلت الرأى العام الأمريكي، محورها أزمة ازدحام مرور أمام جسر جورج واشنطن، الذي يربط ولاية نيوجرسي بمدينة نيويورك. وقد توقف الصعود الصارخ لنجم كريستى، بعد اكتشاف ان القرارات غير مبررة لإغلاق مسار مركبات امام جسر واشنطن، والتى أدت الى اختناقات مرورية، تعود الى اوامر صادرة عن مكتب حاكم نيوجرسي؛ انتقاما من عدم تأييد رئيس بلدية تقع على حدود الجسر للحاكم أثناء ترشحه للانتخابات. وقد انخفض التأييد للحاكم الجمهوري الى 29 نقطة، وفقا لاستطلاع اجرته جامعة مونومث، الاثنين، واعتبر المحللون ان فرصته في خوض الانتخابات الرئاسية القادمة أصبحت شبه معدومة، بعد سلسلة الفضائح التى حامت حول ادارته كما برهن الاستطلاع بان شعبية كريستى انخفضت الى مستويات متدنية؛ لأن سكان الولاية لم يعودوا ينظرون إليه كبطل واجه اعصار ساندي، واصبحت صورته وهو يقول "نحن أقوى من الإعصار" مجرد ذكرى تتلاشى تدريجيا. وأظهرت الاستطلاعات ان كريستي الذي حقق فوزا نادرا للحزب الجمهوري في ولاية ديمقراطية هي نيوجرسي، قد فقد بريقه حتى بين ابناء حزبه والتيار المستقل، بعد ان كان يحظى بالاجماع، ويعتقد الأمريكيون بان كريستي لم يكن صادقا تماما عن ما يعرفه عن فضيحة الجسر، فيما يعتقد 10% بأن الحاكم كان متورطا بشكل شخصي في الفضيحة. وكان اسم كريس كريستي يتزعم قائمة الحزب الجمهوري للفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، ولكن حظوظه تراجعت إلى ذيل القائمة التى تضم حاليا حاكم ولاية ويسكانسن سكوت ووكر، وعضو مجلس النواب بول راين، الذي اختاره المرشح السابق ميت رامني ليكون نائبا له أثناء حملته الفاشلة ضد الرئيس الحالي باراك اوباما، كما ظهر اسم جيب بوش الحاكم السابق لولاية فلوريدا في القائمة الى جانب عدة اسماء منها: جون بولتين السفير السابق لامريكا في الاممالمتحدة، جان براور حاكمة ولاية اريزونا، السناتور السابق سكوت بروان، السيناتور تود كروز الذي يقود حملة عنيفة ضد التشريعات التى اقرتها إدارة أوباما، السيناتور ماكو رابيو الذي يعد من أهم الشخصيات اللاتينية في الساحة السياسية الأمريكية، والسيناتور راند بول. ويعتقد المحللون أن المنافسة في الحزب الديمقراطي ستنحصر بين نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون؛ لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وهما سعيدان جدا بترجع شعبية كريس كريستى الى الحضيض، وتضم القائمة الديمقراطية المبكرة للانتخابات الرئاسية القادمة اسم اندروغيمو حاكم ولاية نيويورك والحاكم السابق لولاية فيرمانت هاورد دين. ويقول المحلل السياسي جان ديكرسون في حديث ل "اليوم": إن حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 تتسم بالفوضى من الآن، فرصة حاكم نيوجرسي كريس كريستي في الفوز بالانتخابات القادمة قد ماتت بعد قضية جسر واشنطن، الجمهوريون ما زالوا يكررون الحديث عن فضائح عهد الرئيس كلينتون، المرشح سكوت وكر حاكم ولاية ويسكانسون سيتعرض قريبا لمساءلة حول قيامه بأنشطة سياسية انتخابية أثناء عمله الرسمي السابق كمدير تنفيذي في مقاطعة ملواكي، عبر ارساله أكثر من 27 ألف بريد إلكتروني لها علاقة بالعملية الانتخابية. ويضيف ديكرسون: إن محاولة تقييم الاثر السياسي لاحداث وقعت قبل نحو عامين، ليس بالاستخدام الفعال للوقت، فالناس يعيشون حياتهم المعتادة ولا يلتفتون الى قضايا سابقة، وستظهر قضايا اكثر أهمية عند التصويت، ولكن المرشحين المحتملين للرئاسة لا يمكنهم تجاهل وتيرة الأحداث الحاضرة، وهيلاري كلينتون على سبيل المثال: ما زالت تتعرض لمراجعات ساخنة من اللحظة البعيدة التي شاركت فيها زوجها الرئيس الأسبق في حملته الانتخابية. ويقول ان سكوت واكر وكريستي يتعرضان هذه الايام لنوع جديد من "تنظيف الأسنان" كاسماء مرشحة للانتخابات الرئاسية القادمة، وقد وقعا في وحل حرب انتخابية بين الحزب الجمهوري والديمقراطي، حيث يسعى كل حزب لتقليل فرص الاخر، الحزب الديمقراطي يحاول الاضرار بمحاولة واكر لاعادة انتخابه هذا العام في الولاية؛ من اجل احداث اكبر ضرر في طموحاته المستقبلية كمرشح للرئاسة، والحزب الجمهوري يشن حربا منتظمة على هيلاري كلينتون خاصة دورها في قضية هجوم بنغازي، وهم يحاولون بعناد، تشويه الفترة الرئاسية للرئيس الامريكي باراك اوباما، من خلال الهجوم المنظم على قانون الرعاية الصحية؛ من أجل ابعاد الشعب الامريكي عن انتخاب رئيس من الحزب الديمقراطي للفترة القادمة. ويختتم حديثه بالقول: إن الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية، بدأت بالفعل منذ اللحظة التى فاز فيها باراك اوباما بفترة رئاسية ثانية امام ميت رامنى، مما أثار حنق الحزب الجمهوري، أما كريس كريستى فإن صعوده وتألقه بحيث اصبح المرشح المفضل لاحتلال المكتب البيضاوي، وانحدار نجمه في وقت قياسي إلى ذيل القائمة؛ يمثل دراما سياسية وتجربة من المفضل قراءتها بتمعن.