يميل معظم كتاب الرواية الأمريكية في تناولات أدبية لبعض مدن جنوب الشرق الآسيوي بتسويق تلك المدن داخل أعمال روائية على أنها عواصم للملذات الرخيصة، بحيث يمكن للأمريكي بقليل من الدولارات تناول أطعمة فاخرة ذات قيمة غذائية عالية. وبعد فترة استرخاء بامكانه ترويض عضلاته بمساج دافئ ولاحقا تتويج متعته الحسية بجنس رخيص. في كراريس أدبية نجد مثلا بانكوك وغيرها ليست بأكثر من محطات آيلة لملكية البغاء. اذا قرأت رواية (حقول الزبدة) لجون أوهارا، فسوف تجد أن تلك رواية تتناول مومسا تايلندية تتوق الى الاستقامة. وفي رواية بانكوك 8 للروائي جون بيرديت، يستنكف هذا الأخير مناقشة موقف مصيري لعاهرة واحدة في طريقها الى الاستقامة، بل تصور الرواية بانكوك أنها مدينة متكاملة للبغاء. وفي حين أنه تبعا لأدبيات المتاب الانساني يمكن لمومس واحدة أن تتوق الى الاستقامة، نجد أن العقلية الأمريكية عبر العمل الروائي تؤكد أن الاستقامة هي آخر شيئ يمكن أن تتوق اليه المومسات. وفي غير الروايتين هناك أعمال أدبية تقترح علينا من خلال سيناريوهات الفضاء الاسيوي البعيد مشاهد تاريخية تعود الى فترة ما بعد نهاية الحرب الفيتنامية، ولذلك فهي تعتمد من ناحية الشخصيات على انعدام الضمير الأخلاقي في الشارع الأسيوي، اذ لا يوجد خيرون مطلقا، فرجال الشرطة بمختلف رتبهم العسكرية فاسدون الى العظم، والناس العاديون يتعايشون مع تشكيلة كبيرة من عاهرات على رأس الخدمة ومومسات متقاعدات وتجار مخدرات، فيما يطل علينا أروع (مشهد مثالي) لا يزال يعشعش في رأسي الى الآن عبر رواية مثل بانكوك 8 بسلك رجال من التحريات الأمريكية وقد وصلوا توا منذ البداية الأولى للعمل الروائي قادمين من واشنطن الى مدينة الملذات. ولا تسقط رواية (بانكوك 8) من المشهد الروائي توظيفا عابرا لجراح تايلندي ماهر يمتهن بمقابل مادي مجزي تحويل فتيات الى شباب وتدجين الشباب باضافة لمسات أنثوية إلى مؤخراتهم وصدورهم حسب الطلب تمهيدا لتكريسهم الى الشارع التايلندي بترويج تجارة الجنس لأنصاف السيدات. بامكانك أن تنظر هنا جيدا كيف يصور لنا الأدب الأمريكي مصير هذا الجراح الآسيوي الذي كم هو بعيد جدا عن أخلاقيات المهنة اذ يملي عليه مصيره البائس أن يسخر ادواته المعرفية لتدجين مزيد من الغلمان لارضاء سائحين جاءوا بمنجزات الدولار الأمريكي لخدمة أغراض التنمية. وقس على أساس هذه الفكرة ما يأتي بعد وما هو كائن في العقلية الأمريكية عن الواقع الآسيوي من قبل. هنا لك أن تتأمل مثلا واقعا آخر ربما ينمو في العقلية الأمريكية بعد أحداث تسانامي الآخذة حاليا في تنامي الكرم الأمريكي بحد آخر وصف الأدبيات الأمريكية الآخذة في تدجين كراسة الوعي الأمريكي. فبالأمس القريب مثلا أشار باول في خطاب دبلوماسي شفاهي الى أن تسانامي يكشف فعلا عن الكرم الأمريكي وسخاء المعونات الآخذة في التدفق جنوب شرق العالم. وعلى أية حال ربما كان باول محظوظا في كونه لم ينزلق في خطابه الدبلوماسي كما فعل آخرون من غير الأمريكيين طبعا عندما وصفوا تسانومي أنه عقاب الهي لامتهان الجغرافيا الآسيوية اقتراف ملذات من غير حدود أو رادع. ان ذلك ليذكرني حقا بكراسة كارثية أخرى في بعض جزر البحر الكاريبي قبل حوالي قرنين من الزمان، فقد أمتهنت بورت رويال أعمال البغاء واللذة والقرصنة. وعندما قامت مدن في عمق البحر الكاريبي تضاهي من ناحية التطور الهندسي مقرونا بالتفسخ الأخلاقي حواضر باريس ولندن، وظن كبار السياسيين والقراصنة أنه ما كان لها أن تزول أبدا. لقد ناموا ذات ليلة واستيقظوا الصباح التالي على عمق أميال تحت البحر. هنا لك أن تتأمل كتابات أحد الكهنة عن تلك المرحلة، فقد كان الكاهن من بين ناجين وكتب لاحقا في مذكرات محفوظة أنه لم يشاهد قط الأرض تتشقق وتبتلع أناسا كثيرين جدا، فيما تغمر أمام عينيه مياه البحر قلاعا كبيرة جدا وحصونا شيدها التعب. ولكن هي الحياة اذ لا فائدة من كل عمل يعمله الانسان تحت الشمس، فكما أن كل الأنهار تجري الى البحر والبحر ليس بملآن أبدا، فالبحر أيضا يبتلع كل من يقف أمامه، وفي النهاية فالموت غرقا من أعمال الله، وليس بالضرورة أن يكون الضحايا آثمين، لأنه شيئ مؤسف أن يموت أناس كثيرون ويتعب أناس كثيرون وعلى حسابهم تزدهر أدبيات ومواعظ وتشتعل كراريس عقليات أخرى بمنجزات العقاب الالهي وأعمال اللذة.