شدد وزير خارجية المغرب ، أمين عام منتدى أصيلة محمد بن عيسى على العلاقات الثنائية بين المملكتين (المغرب والسعودية) والعلاقات الأخوية التي تجمع العاهل المغربي الملك محمد السادس وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، مشيدا بما للأيدي السعودية من وجود في مدينة أصيلة ممثلة في صرح مكتبة الأمير بندر بن سلطان التي ستفتتح رسميا في شهر سبتمبر القادم والتي تعتبر الأكبر من نوعها في المغرب، وفي إعادة ترميم وإصلاح قصر الثقافة (قصر الريسوني سابقا). ورغم الطابع الثقافي لموقع اللقاء بالوزير المغربي على هامش مهرجان اصيلة الثقافي، إلا أن الحديث حمل سمة التداخل بين الشأن الثقافي والهم السياسي، ليشمل العلاقات العربية الأمريكية، وتأثير النزاع العربي الإسرائيلي عليها، والوضع الأفريقي، والنزاع في الصحراء. "اليوم" التقت الوزير ابن عيسى، ليكون هذا اللقاء. مستجدات ثقافية @ معالي الوزير، بهذه الدورة يدخل موسم أصيلة الثقافي الدولي سنته الأولى بعد ربع قرن، كيف يقيم محمد بن عيسى هذا المشوار؟ اعتقد ان الموسم السادس والعشرين لأصيلة، أي السنة الأولى بعد اليوبيل الفضي ، اثبت أن أصيلة الآن بحق بالسرعة المطلوبة، وأنها ركبت محطة الاستمرارية، علما أننا باستمرار نسعى إلى التجديد، التجديد بمعنى الاستجابة لمستجدات في الفضاءات الثقافية في العالم، وانشغالات النخبة وانشغالات الشعوب، بحيث كل عام تطرح قضايا هي من صميم قضايا الحداثية، التي تعنى باهتمام النخبة السياسية، وكذلك النخبة المفكرة والتي لها تأثير مباشر على تطور الأحداث، وتطور الشعوب، هذا العام أضفنا حلقة جديدة إلى عقد مشروع أصيلة الثقافي، والحلقة هي الملتقى الأول لسينما الجنوب، والذي والحمد لله كان حقيقة ملتقى ناجحا، وأعطى نفسا جديدا للفاعلين والمهتمين بسينما الجنوب، وأعني بسينما الجنوب، سينما أمريكا اللاتينية وأفريقيا والوطن العربي وأسيا، وبطبيعة الحال هذه الحال، هذه البداية، ونأمل أن يتطور الموسم ليصبح لأصيلة دور آخر جديد في قطاع مهم من قطاعات الفنون التي لها اتصال مباشر بهموم ومشاغل الشعوب، وأقصد الأغنية والفيلم، وأعني بذلك الفن حيث انهما القطاعان اللذان لهما اتصال بكل شرائح المجتمعات. هذا العام كذلك زرعت بذرة جديدة في حقل موسم أصيلة الثقافي الدولي، وهي الدعوة التي جاءت من المشاركين في ندوة "أفريقيا والآمال الضائعة" حيث دعا المشاركون إلى إقامة معهد أفريقي للثقافة والتنمية، ورفعوا هذه المبادرة الاقتراح إلى جلالة الملك محمد السادس اعتبارا للاهتمام الخاص الذي يوليه لتعاون الجنوب جنوب من جهة، وللاهتمام الأكثر خصوصية الذي يعيره جلالته لأفريقيا التي نحن جزء لا يتجزأ منها. نحن الآن سنبدأ انطلاقا من شهر سبتمبر في وضع برنامج الموسم القادم، وأنتم تدركون أن زخم المواد والعدد الهائل من المشاركين لهذا العام، حيث شارك أكثر من 400 مشارك من مختلف التوجهات ومن مختلف الاهتمامات السياسية والاقتصادية والفكرية، وكذلك كان هناك باحثون أكاديميون وإعلاميون، ومبدعون وفنانون ..أظن أننا في هذا العام الأول بعد اليوبيل الفضي، سنبدأ في استشراف طريق جديد، طريق تأسس فوقه مشاريع جديدة لتفعيل حوار الثقافات وتفعيل التشاور فيما بين النخبة، ولكن أكثر من ذلك نأمل إن شاء الله أن نفعل كذلك هذا التواصل في ندوات يتم تنظيمها خلال السنة، خاصة وأنه دشنت الآن مكتبة الأمير بندر بن سلطان التي تعتبر الأكبر من نوعها في المغرب بالإضافة إلى توافر أصيلة على التجهيزات والبنى التحتية لأية مشاريع ثقافية. المختلفون أكثر المتفقين @ في ندوة "العرب وأمريكا وجها لوجه" لاحظنا التداخل السياسي والثقافي، وتداخل المتناقضات بين الشخصيات الحاضرة وتوجهاتها، كيف تقيمون هذا الأمر خاصة وأني أتذكر أنه في السنة الماضية جمعتم بين مارتن أنديك الأمريكي السابق لدى تل أبيب، وعطا الله مهاجراني وزير الثقافة الإيراني السابق، كيف تقيم ذلك؟ نحن لم نجمعهما في الواقع، هما التقيا في هذه الندوة، وهذه هي ميزة أصيلة، أصيلة هي الأرضية التي يلتقي فيها المتفقون والمختلفون، وربما المختلفون أكثر من المتفقين، لا يمكن أن يكون حوارا جديا وهادفا بين ناس يتفقون على كل شيء، الحوار يعني أن يكون تواصل فيما بين أضداد لهم طروحات تختلف عن بعضها البعض، إلم تكن في العمق يمكن في التناول، وما حصل في هذه الندوة، هو ما يحصل في ندوات أخرى من قبيل "العرب والأمريكان وجها لوجه" بطبيعة الحال جاءت في وقت معين، الحرب في العراق، المعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني أمام آلة الحرب الإسرائيلية، والتوجهات الإستراتيجية الجديدة المطروحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي، ومن حلف شمال الأطلسي، كل ذلك أعطى لهذه الندوة طابعا خاصا، بحيث لم يكن الحديث تنظيريا بمعنى النظري بقدر ما كان حديثا واقعيا، والمناقشات كانت تتسم أيضا بالتنبؤات والتوقعات، وأظن أنه كان مفيدا أن يستمع الواحد إلى الآخر في قضايا محددة تتعلق مثلا بقدرة العرب على التأثير في الفضاء السياسي والفكري الأمريكي، وتبين لنا للأسف الشديد أن معرفتنا المؤسساتية بالولاياتالمتحدة هي معرفة تحتاج إلى استكمال، وتحتاج إلى دراسة معمقة، طرح مثلا موضوع القرار الأمريكي، كيف يتخذ القرار الأمريكي في الولاياتالمتحدة ؟ دور الكونغرس، دور مجلس الأمن القومي الأمريكي، دور المؤسسات الأخرى الفاعلة في القرار السياسي وكذلك دور المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية. فالندوة إذن خلصت إلى أنه لا بد للعرب وليس فقط السياسيون والحكومات، بل المجتمع المدني العربي أن يعي جيدا حقائق الأمور، لكن الأكثر من ذلك كيفية التعامل مع الولاياتالمتحدة، باعتبارها القوة العظمى الأوحد في العالم، وكذلك كيف يمكن تفعيل العلاقات العربية العربية، والعلاقات العربية الأوربية باعتبار أن الاتحاد الأوربي يلعب دورا هاما في ترشيد استراتيجيات والطروحات الإستراتيجية المطروحة الآن، والتي هي حقيقة لم يتم بعد اعتمادها بالطريقة التي طرحت بها. الندوات والمحاكمات @ في نفس الندوة لاحظنا شبه محاكمات للطرفين، وجلدا للذات في بعض الأحيان خاصة من قبل المشاركين العرب، ما رأيكم في هذه الظاهرة؟ في الحقيقة هذا ليس بالأمر الغريب، للأسف الشديد في الماضي كانت أغلب الندوات محاكمات، اليوم قل ذلك، واعتقد أن في كثير الأحيان بعض الأطراف ينشرون همومهم واحباطاتهم التي هي في الحقيقة مشروعة في هذه المناسبة، وأعتقد أن عادة جلد الذات، للأسف الشديد أصبحت سلوكا وفي نظري هروبا إلى الأمام، ليست هناك منظومة سياسية خالية من النقص، ونحن يجب أن نقدر أننا شعوبا مجترة لتجارب الماضي التي كان البعض يؤيدها ويدعمها لاعتبارات أيديولوجية معينة، وتبين أن ذلك لم يكن سليما ولم يؤد بنا إلى ما كنا نتطلع إليه. فلسطين حجر الزاوية @ جل المتدخلين اتفقوا على أنه ما يفسد العلاقات العربية الأمريكية هي قضية فلسطين التي تعتبر حجر العثرة أمام أي تطبيع عربي أمريكي حقيقي، فإذا حلت هذه القضية لن تكون أية عداوة بين المنظومتين العربية والأمريكية، وبين الشعبين؟ إن الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو بالفعل حجر الزاوية في العلاقات العربية الأمريكية، وهذا الأمر ليس جديدا، وهذا الكلام قيل عدة مرات، ومن قبل عدة منابر، والأمريكيون يعرفون ذلك جيدا. الآن كيف يمكن تخطي ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب على الحكومات وعلى المجتمعات المدنية العربية، أن تجد جوابا له. فالمؤسسة الإسرائيلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية هي متجدرة وفاعلة، واليهود في الولاياتالمتحدة هم جزء من المنظومة الأمريكية بكل فروعها وكل منابرها، وللأسف الشديد هذا ليس وضع العرب في أمريكا، وقد سمعتم بعض النقض من بعض المشاركين الأمريكيين من أصل عربي هذا جانب، جانب آخر أيضا هو كيف يمكننا الوصول إلى توصيل وجهات النظر العربية بطريقة تتلاءم مع الأسلوب الأمريكي في فهم الأشياء، فأمريكا حضارة جديدة حقيقة، ومجتمع جديد يختلف عن كل مجتمعات العالم، والمنظومة السياسية الأمريكية هي أيضا منظومة تختلف عن كل المنظومات السياسية في العالم، ومنابر السلط في أمريكا، تختلف أيضا عن منابر السلط في العالم، وإن كان لا بد الاعتراف بأنه ليس كل الأمريكيين في اتجاه واحد، هناك كثير من الأمريكيين سياسيون ونواب في الكونغرس والمؤسسات الأمريكية والأكاديمية في أمريكا لا يتفقون في كثير من الأحيان مع سياسات بلادهم، لكن السياسة في الحقيقة هي إفراز لحصيلة السباق، فمن يصل أولا وفي الوقت المناسب وبالحصان المناسب يكسب، وعادة إسرائيل والإسرائيليون يصلون إلى مراكز القرار الأمريكي قبل العرب، وهذا شيء يجب الاعتراف به. فنحن في الحقيقة وكما كان يقول جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، "نسوق في كثير من الأحيان دون المرايا العاكسة التي نرى فيها ما حدث في خلفنا"، فنحن يجب أن ننظر إلى الوراء، حيث نأخذ العبرة من بعض أخطائنا، أو على الأقل ننظر إلى بعض التصورات التي كانت لدينا في التعاون مع الولاياتالمتحدة، ولم تحقق النتائج المرجوة منها. فكرة قديمة @ خلال ندوة " العرب وأمريكا" دعوتم لإنشاء مركز للأبحاث الأمريكية على غرار عشرات مراكز الأبحاث العربية في الولاياتالمتحدة، ألا تعتقدون أن أصيلة مؤهلة أكثر من غيرها لاحتضان هذا المركز؟ هذه الفكرة طرحت في أصيلة منذ أكثر من عشر سنوات، وكان هناك مشروع لإقامة مركز للدراسات الأمريكية، وكما هي العادة للأسف الشديد قامت أصوات تتهم الداعين لإقامة هذه المؤسسات بأنهم عملاء للأمريكان والصهيونية والسي أي إيه والموساد إلى غير ذلك من الخطابات التي في الحقيقة ابتذلت والتي لا معنى لها في الواقع. طرح إقامة مركز للأبحاث أعيد طرحه من جديد في هذه الندوة، ربما ما يجب القيام به هو إقامة مركز للدراسات العولمية {غلوبلزايشن} لأن أمريكا هي متزعمة للمنظور العولمي في العالم، فكلمة "غلوبلزايشن" اخترعت في أمريكا، وكثيرون من يقولون ان المرحلة الثانية من العولمة، بعد عولمة العالم هي أمركة العالم، تماما كما حدث في القرن التاسع عشر، حينما كانوا يتحدثون عن تحديث العالم، في الواقع كانوا يتحدثون عن "أوربة" العالم، فكثير من الشعوب غيرت من ملابسها وعاداتها وتقاليدها وتعلمت لغات جديدة، وأدخلت تعديلات على أنظمتها في الحكم.. بسبب التأثير الأوربي عبر الاستعمار، الآن نرى أن العالم بدأ يأخذ العديد من الظواهر والعادات من الولاياتالمتحدة سواء في برامج التعليم أو المراكز الأكاديمية، وكذلك الآليات السياسية والانتخابات، حتى صارت العديد من الحملات الدعائية الانتخابية في العالم متأمركة، وهو ما نراه مثلا في المناظرات التلفزيونية. من هنا فأنا أرى هناك ضرورة لإقامة مركز أو مراكز للدراسات العولمية، لنستشف مستقبلنا من منطلق علمي قائم على الواقع، وعلى الممكن، وألا نبقى حقيقة في الكثير من الأحيان فريسة لبعض التطورات ولبعض ما تمخض في ثقافتنا نحو بلد أو آخر، فالعالم يتغير بسرعة كبيرة، ونحن مطالبون بأن نتغير، ومطالبون بأن نركب قاطرة هذا القرن 21 من موقع عولمي، فالحدود بدأت تتلاشى، والعالم بات يتجمع في كيانات عملاقة وهي كيانات اقتصادية وثقافية وسياسية واستراتيجية، نراها في أمريكا اللاتينية ، نراها في الاتحاد الأوربي، نراها في شرق أسيا، في مجلس دول التعاون الخليجي. كما يجب علينا تجاوز المشاكل والنزاعات الخرافية المفتعلة التي كانت تتماشى مع مزاج بعض الأشخاص وبعض الأيدلوجيات التي كانت سائدة في الماضي وتجاوزها الزمن والعالم الآن، لذلك فنحن في عمليات اجترار في كثير من الأحيان، لكن يجب أيضا أن نقر أنه في العالم العربي حاليا جيل جديد، ترشده قيم تختلف عن قيم ما سبقوه، وله ارتباط بالحداثة، بأسلوب أكثر ديناميكية وأكثر فعالية وأيضا أكثر تكنولوجية إذ صح التعبير، وأعني بالتكنولوجية أن شبابنا الآن بات يتقاسم مع شباب العالم العديد من أوجه التطور، وهذه أمر جيد حيث سيساهم في التحاور مع الآخر، وهذا ما كان ينقصنا في الماضي، لأننا كنا في الكثير من الدول العربية أمام خيارين إما مع أمريكا أو مع المنظومة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي، هذا الأمر لم يعد قائما الآن، وهذا لا يعني كذلك أن يرتمي الإنسان في أحضان الأمريكان، ولكن يعني أن أمريكا حقيقة واقعة، ودولة عظمى يجب التعامل معها لأسباب معروفة، وبالتالي يجب أن يكون هذا التعامل والتعاون أن يكون قائما على العلم والمعرفة، وليس على العواطف والإحباطات. التفعيل مستمر @ كما أشرتم في إجاباتكم، تقرر إنشاء مركز للأبحاث الأفريقية، والذي تزامن مع الرؤية المغربية الرسمية للتعاون مع البلدان الأفريقية والتي تمثلت بالأساس في جولة محمد السادس الأفريقية، ألا تخشون وسم موسم أصيلة بالرسمية؟ أجل كنا أول مؤسسة ثقافية عربية تعنى بتفعيل التواصل والتحاور مع البلدان الأفريقية، وأقمنا في بداية الثمانينات المنتدى العربي الأفريقي الذي كان يترأسه الرئيس السينغالي الأسبق الشاعر ليوبود سانغور وسمو الأمير الحسن بن طلال ولي العهد الأردني أنذاك، ونظمنا عدة لقاءات وجاء إلى أصيلة كبار القوم من كل الدول الأفريقية حيث التقوا مع أشقائهم العرب وكذلك مع مفكرين ومبدعين آخرين من العالم. وأصيلة أقامت لأفريقيا ما لم يقمه أحد في أي مكان في العالم، أول جائزة للشعر الأفريقي وتحمل اسم شاعر عظيم من جمهورية الكونغو برزافيل تشيكايا أوتامسي، إضافة إلى هذا وذاك فالمغرب دولة أفريقية، وتذكرون أن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في كتابه التحدي وصف المغرب كالشجرة التي تتعمق جذورها في أفريقيا وتتدلى أغصانها على أوربا والغرب، والملك محمد السادس منذ توليه العرش منذ 5 سنوات تلقى أولى الزيارات لبلاده من قبل رؤساء أفارقة من موريتانيا والسينغال.. بحيث أن هذا التفعيل قائم بين المغرب وأشقائه الأفارقة، بحيث أن وزراء الخارجية الأفارقة دائمو التردد على المغرب، إضافة إلى ذلك نحن عضو في مجموعة "سين صاد"وتربطنا بكل الدول الأفريقية علاقات قوية، وبرامج تعاون متعددة، ونستضيف سنويا في المغرب أزيد من 6000 طالب من إفريقيا جنوب الصحراء ممنوحين من الحكومة المغربية، ويدرسون في مختلف جامعات ومعاهد المملكة العليا. أصيلة حقيقة هي جزء من المخاض الذي تعرفه قارتنا، وبالتالي لا يمكن أن توصف أنشطتها بالرسمية، فمن الأكيد أن تكون الجولة الأخيرة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس قد أكدت من جديد العمق الأفريقي للمغرب، وأكدت أيضا الدور الطلائعي الذي يلعبه المغرب، فإذا كان المغرب يلعب هذا الدور على مستوى جلالة الملك، فنحن جزء من هذه المؤسسة، وأصيلة بلد مغربي وعربي وأفريقي، فبالأحرى بنا أن نستجيب إلى ما يدعوا إليه قادتنا لتكريس قواعد التعاون والشراكة الإفريقية، وكذلك توفير سبل البحث والدراسة في قضايانا، نحن لا يمكننا أن نحل قضايانا فقط بالجدليات، علينا أن نقوم بالدراسات اللازمة والأبحاث الضرورية، وأن نوظف هذه الأبحاث وهذه الدراسات في مساعدة الحكومات والقطاع الخاص من اقتصاديين ومجتمعات مدنية في أفريقيا. لسنا غائبين @ لكن البعض قد يقول ان لأيام أصيلة الأفريقية المعدودة في صيف كل سنة، لا يمكن أن تملأ غياب المغرب الرسمي لمدة 20 سنة عن الساحة الأفريقية من خلال انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية سابقا {الاتحاد الأفريقي حاليا}؟ المغرب لم يكن أبدا غائبا عن أفريقيا، أنت لا يمكن أن تعتبر ذراعك بعيدة عن جسمك، فهي جزء من الجسد، فالمغرب بلد أفريقي، ولم ينقطع أبدا اتصالنا بأشقائنا في أفريقيا، فنحن فقط لسنا عضوا في منظمة واحدة من المنظمات الأفريقية العديدة، وكان انسحابنا من منظمة الوحدة الأفريقية لأسباب معروفة، نحن لم نقبل ولن نقبل ولن نقبل أن نكون عضوا في مؤسسة تعترف بكيان لا تتوفر له أية شروط سيادية، أو شروط الدولة، فما حصل سابقة خطيرة، ستدفع أفريقيا ثمنها غاليا إن لم تصلح في أقرب الآجال، لأنه لا يعقل أن أية منظمة أو حركة انفصالية تعبر حدود بلد {يعني المغرب} إلى بلد آخر {يقصد الجزائر} ويعترف بها كدولة، فهذا أمر غير معقول، والدليل على ذلك أن هذا الكيان الوهمي، الذي هو عضو في الاتحاد الأفريقي لا تعترف به أية دولة أوروبية، ولا أي دولة أسيوية، ولا أي دولة عربية باستثناء الدولة التي يتواجد على أراضيها، ولا حتى منظمة الأممالمتحدة، أو أية منظمة متخصصة في منظمات الأممية، والأدهى من ذلك أن ثلثي الدول الأفريقية الأعضاء في الاتحاد الأفريقي لا تعترف بهذا الكيان، حيث أن من بين 59 دولة أعتقد أن هناك قرابة 40 دولة لا تعترف بهذا الكيان، وهم أعضاء معهم ، فالأمر واضح نحن دولة مسؤولة ونتمسك بالشرعية ، بالشرعية في كل عمل، ولا يمكننا أن نساهم في تفعيل قرارات تتخذها أقليات في ظروف غير سليمة، ونقول كان يا مكان والسلام، فهذا غير مقبول وغير معقول. وصدقني إذا قلت لك ليس هناك أي تأثير على الإطلاق على علاقات المغرب الأفريقية، أو أن هناك غيابا للمغرب عن الساحة الأفريقية كما تفضلت، والدليل على ذلك الاستقبال الهائل التاريخي التي استقبلت به الشعوب الأفريقية الملك محمد السادس في الدول الأفريقية الخمس التي زارها خلال جولته الأفريقية ليس كرئيس دولة وكأمير للمؤمنين وكقائد رائد له كل المواصفات الدينية والروحية والسياسية التي يتمتع بها. لا نشجع الانفصال @ بما أننا نتحدث عن أفريقيا، ونحن نعلم أن أصيلة مدينة الحوار والنقاشات ، وجمعت العديد من المتناقضات السياسية والفكرية سابقا، هل يمكن أن نتصور أن أصيلة أن تستقبل بعض مسئولي جبهة البوليساريو أو المفكرين أو السياسيين المقربين من هذه الأطروحة وفتح نقاش تاريخي وجدلي حول هذه القضية التي تجمع الأغلبية على أنها مصطنعة؟ نحن كذلك يا سيدي لا يمكننا أن نقوم بعمل يصبح مشجعا للحركات الانفصالية، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبوليساريو، هناك حركات انفصالية كذلك في أفريقيا، كحركة كازامانس في السينغال، الحركات الانفصالية في السودان، وفي عدد من الجهات الأفريقية، فالقارة الأفريقية تعيش الآن مأساة البلقنة هناك تحركات في كثير من الدول لبلقنتها وإيجاد كيانات انفصالية، نحن ندعو إلى التواصل والالتحام وإلى الشراكة، وبالتالي فأي اجتماع أو لقاء مع أي حركة انفصالية هو في الواقع اعتراف بهذا الانفصال، وهذا مخالف تماما لأهدافنا في أصيلة. @ الداخل إلى أصيلة من جهة الشاطئ، قد يعتقد أن أصيلة أصبحت مقرا صيفيا للأمم المتحدة بالنظر إلى اعلام كل دول العالم {باستثناء العلم الإسرائيلي} التي ترفرف على كورنيشها، ما قصة هذه الأعلام؟ ببساطة، هذه أعلام الدول المشاركة في الدورة 26 الحالية أو التي شاركت في موسم أصيلة على امتداد الدورات 25 السابقة ، لا تنسى أن اسم مهرجان أصيلة هو موسم أصيلة الثقافي الدولي، ومنذ أن بدأنا سنة 1978 بدأنا بدعوة المفكرين والمبدعين والباحثين من مختلف أنحاء العالم. الحلقة المفقودة @ أخيرا، معالي الوزير هل يمكن للثقافة أن تصنع التنمية؟ الثقافة لا تصنع شيئا، الثقافة وسيلة، والثقافة كما أجمع على ذلك العالم، كانت الحلقة المفقودة في معادلة التنمية، وأعني بذلك الحلقة /الإنسان، ففي كثير من المشاريع وفي كثير من الطروحات في الماضي كان الاهتمام منصبا على الهياكل الاركازية، على الطرق والسدود والمطارات،وفي كثير من بلدان العالم نسي الإنسان، نحن في أصيلة إذن مع الثقافة بمثابة الجرس الذي يرن ليقول لواضعي القرارات لا تنسوا الإنسان. وهنا يحضرني الجنرال شارل ديغول الرئيس الفرنسي الأسبق، الذي كان يجلس إلى جانبه دائما السيد مانرو وكان وزيرا للثقافة، وسأله أحد الصحفيين يوما: فخامة الرئيس كيف تجلسون وزيرا للثقافة على جانبكم الأيمن، علما أن وزير الثقافة في الترتيب الوزاري لا يكون عادة في مقدمة الوزراء كالخارجية والداخلية؟ فرد ديغول بكلمته الشهيرة: مانرو وجوده يذكرني دائما بالبعد الإنساني للأشياء. فالثقافة هي هذه، الثقافة محك ومنبه وحلبة لتمخيض إذا صح هذا التعبير الأفكار والرؤى والخروج بتصورات تكون لها انعكاسات أكيدة على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلد. وطبعا فأساس هذه الثقافة التي أتحدث عنها هي الحرية، بمعنى ليس قراءة الشعر في ندوة أو كتابة مقال هنا وهناك هو ما أعنيه. ما أعنيه هو أن يكون هناك فضاء يبحث فيه الناس ويتحدثون ويدرسون بكامل الحرية. أنا قلت دائما إن الحرية هي تمرد الإبداع، فبدون حرية لا يمكن أن يكون هناك أي إبداع سواء في الاقتصاد أو الثقافة أو باقي الشؤون الاجتماعية. .. ويتحدث لمراسل "اليوم" بالمغرب