تشهد حركة الفن التشكيلي في المملكة اهتماما اعلاميا واضحا مبكرا من خلال الاجتهادات المبكرة لبعض الفنانين للمساهمة في تتبع حركة شوانشطتها، وكان الفنان عبدالجبار اليحيا من اوائل من كتبوا.. كذلك الفنانة صفية بن زقر الى ان خصصت بعض الصحف المحلية اجزاء فصفحات للفن التشكيلي، كما كلفت صحفيين او فنانين للقيام بهذه المهمة، الا ان صحيفة كالجزيرة كانت اكثر تخصيصا وطوال فترة بالاهتمام بهذا الجانب عندما اطلق الفنان والناقد (محمد المنيف) صفحته التشكيلية منذ اكثر من عشرين عاما. يعتبر الفنان المنيف احد اهم من عايشوا ظهور حركة الانشطة التشكيلية في المنطقة الوسطى على الخصوص وهو الذي درس في معهد التربية الفنية بالرياض، وتخرج فيه عام 1393ه ليعمل في تدريس التربية الفنية، وتنطلق مشاركاته في المعارض المحلية منذ ذلك التاريخ، وربما قبل ذلك. كان تعرفه المبكر على بعض فناني منطقته ايذانا بالانطلاق نحو المشاركات والعروض الفردية التي كان احد السابقين بها خلال السبعينات الميلادية فأقام اكثر من معرض في مدينتي سدير والرياض، وغيرهما. عبرت اعمال الفنان المنيف عن اهتمام وولع بالبيئة المحلية حيث الابنية والأدوات الشعبية والمزروعات لكنه اتجه في نفس الوقت لمواضيع كانت تتلاءم مع اشتغالاته بالالوان المائية التي لم يزل الاحساس بها واضحا في اعماله الاخيرة. قال عنه الاستاذ والمربي (جميل مرزا) عام 1396ه (رائع في موضوعاتك ورائع في خطواتك ورائع في الوانك، خاصة تلك التي نفذت بالألوان المائية), مطالبا بان يستمر في هذا الاتجاه. واتجه الفنان المنيف مبكرا للون المائي فحقق معه كثيرا من الرهافة الفنية والحساسية الخاصة وهو يرسم بعض الادوات الشعبية او المنازل او اعشاش الطيور او مواضيع ومشاهد يلتقطها بعين فاحصة تدقق في التفصيلات فتختار ما يحقق فنية الصورة واكتمالها بعيدا عن اي اثارة او صراحة لونية. ويندمج البني بدرجات من الاسود ليحقق في بعض مناطق الصورة ابعادا تمنح العنصر هيئته الطبيعية والعمل في شكله العام اكتماله. شهد العام 1393 معرضه الاول في حوطة سدير التي ولد فيها، واعقبه بمعرض في الرياض عام 1394ه، ثم في المجمعة عام 1395ه ويتابع معارضه فيما بعد في الرياض وعنيزة بالقصيم وكان آخر معارضه في الرياض عام 1403ه، وهو التاسع في مسيرة الفنان.. وانشغل المنيف منذ ذلك التاريخ او قبل ذلك بالكتابة وتحرير المواد التشكيلية والاشراف على صفحتها في الزميلة (الجزيرة) لكن ارهاصات الكتابة كانت في حياة المنيف قد بدأت عام 1392ه، في مجلة (اليمامة)، فجريدة (الرياض) عام 1397ه واخيرا جريدة الجزيرة منذ عام 1400ه. قدم خلال (ربع قرن) من الكتابة والمتابعة والتحليل والدراسات في الجزيرة العديد من الفنانين والانشطة المحلية التي كان يصر دائما على ان تتخذ الاهمية والاولوية فكان المشجع والداعم والناقد ايضا. رصد في الاشهر الاخيرة متابعة دقيقة للساحة التشكيلية من خلال عنوان عريض هو (واقع الفن التشكيلي المحلي)جوانب متعددة (ايجابية وسلبية) في الساحة وفي فنانيها ومؤسساتها التشكيلية، ولم يزل من خلال اكثر من عشرين حلقة يواصل وضع يده على العديد من الجروح في ساحة تمتلئ بالاصناف والتنوع والتباين. عرفت الفنان محمد المنيف - يقول الفنان الرائد الراحل محمد السليم - منذ اقامة معرضه الثاني عام 1394ه ورأيت فيه بوادر فنية تمتاز باصالتها والتزامها بالارض والطبيعة والبيئة السعودية. معتبرا السليم حينها انه حدث تطور سريع في تجربة الفنان المنيف فيعتبره (سبق زمنه) في فترة قصيرة سواء في تكنولوجيا التصوير او قوة الخط او جمال التكوين. شهدت الاعوام الاخيرة للفنان محمد المنيف مشاركات متباعدة ومحدودة لكن ابرزها كان في المعرض الاخير لمجموعة الرياض التشكيلية التي (دعته) للانضمام لها، ثم كرمته في محطتيها الاخيرتين باعتبار حرصها على استضافة تجارب الفنانين المتميزين. واعادتنا اعمال المنيف في هذا المعرض الذي شهدته صالة الامير فيصل بن فهد بمعهد العاصمة النموذجي بالرياض للمجموعة الى اهتماماته المبكرة في استخلاص لقطة محدودة العناصر يتعامل مع هذه العناصر بكثير من الحميمية والرهافة (نخلة، منزل طيني) علاقة او ثنائية لانجدها الا في ذاكرة مليئة بالصور الجميلة التي تعود الينا كلما وجدنا انفسنا في صخب المدينة ودورة الحياة اليومية المعاصرة بقلقها وصخبها.. لون ترابي يشغل مساحة اللوحة ونخلة او طيفها يعانق عنان السماء وعناية شديدة والفنان يلونها وكأنه يهادي حبيبة او يهامسها. شارك في المعارض الجماعية المحلية مبكرا خاصة معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومعارض بعض الاندية الرياضية وعرضت لوحاته في عدة دول عربية واجنبية مثل مصر وبريطانيا والمانيا وكندا وفرنسا وغيرها. ومثل المملكة في عدد من المناسبات كان آخرها في الاردن وتقتني لوحاته عدة جهات. يواصل الفنان محمد المنيف مشاركاته في المعارض خلال الفترة الاخيرة على نحو واضح لعله تمهيد لمشروع مشترك او فردي يشهده الموسم القادم اما على المستوى النقدي فان مشروع كتابته عن (واقع الفن التشكيلي المحلي) قد يتطور الى مؤلف سيكون توثيقا لمرحلة هامة من عمر الفن التشكيلي في المملكة.