إن أكثر ما يثير إعجابي بوزارة العمل منذ تولي معالي المهندس عادل فقيه سدتها في عام 2010م هو مرونة الوزارة في التأقلم مع معطيات ومتغيرات مشاكل سوق العمل في طرحها وتجديدها لأنظمتها. ويزيد هذا الإعجاب عندما نتذكر أن الوزارة، شئنا أم أبينا، هي مؤسسة حكومية تتسم بالبيروقراطية كباقي أجهزة الدولة الحكومية بأنواعها. فكم هي عدد التعديلات التي رأيناها في الشهور القليلة الماضية في برنامج مثل نطاقات، من تحديد عدد القطاعات العامة للعمل إلى نسب السعودة المختلفة المطلوبة في كل قطاع إلى تحديد أحجام مختلفة للشركات المشمولة في كل قطاع وغيرها من التغييرات. فعندما بدأ برنامج نطاقات مثلاً، حدد نسبة 30% على أنها الحد الأدنى للسعودة في جميع الوظائف والتخصصات بأنواعها، مما أحدث ربكة في العديد من الشركات والقطاعات التي لا تتحمل بطبيعتها نسبة سعودة بهذا المستوى بسبب شُحّ الكوادر السعودية المهيئة للعمل فيها على سبيل المثال. بينما وُجِدت شركات وقطاعات أخرى استفادت من تلك النسبة بشكل سريع لأن طبيعة أعمالها في الواقع تتطلب نظرياً نسب سعودة أكثر بكثير من 30%. ولكن يظل السؤال الذي ما زال يدور ببال الكثيرين، ما الذي يجعل صاحب العمل يميل دائماً لتوظيف الأجنبي وترك ابن الوطن؟ لو تحدثنا لأحد أرباب الشركات الكبرى أو حتى المنشآت المتوسطة في المملكة لكتب قصيدة مديح في الموظف الأجنبي. فهناك الأجر المتدني والكفاءة العالية في العمل، والساعات الإضافية، وسهولة الاستغناء عنه، والتحكم فيه بشتى الوسائل لخدمة مصلحة الشركة وصاحب العمل، هذه فقط لا غير. أما ابن الوطن فسيجلب مع توظيفه الصداع المستديم من راتب عال، وطلبات الزيادة في الراتب، واتهامه بقلة الكفاءة وعدم الحرص على العمل والانضباط، وأخيراً صعوبة التخلص منه! ولو حاولنا سوياً تحليل هذه المعادلة الصعبة في ظل تزايد أعداد الباحثين عن العمل في المملكة من فئة الشباب، نجد أن مشاكل الأجر المتدني والساعات الإضافية وسهولة الاستغناء عن العامل الأجنبي هي في الواقع ضعف في قدرتنا على فرض حد أدنى لحقوق ذلك الموظف المغترب. فكفاءة الموظف الأجنبي إنما تنبع في الغالب من اغترابه عن وطنه الأم وقلة مسؤولياته في المنزل، مما يؤدي به إلى المبيت في المكتب لو لزم الأمر لإنجاز العمل! إضافة إلى عدم تحديد نوعية وجودة المسكن وجودة وسائل المواصلات أو تناسب بدلاتها مع التكلفة الحقيقية على أرض الواقع لسكن محترم ووسيلة نقل حديثة. فصاحب العمل يقوم عملياً باستغلال ضعف العامل الأجنبي في القدرة على النقاش ليحصل على خدماته بأقل سعر ممكن. ولو قارنا وضع وتكاليف العمالة الأجنبية في الدول المتقدمة بوضعها في بلدنا، لاتضحت الصورة بشكل كبير. فالموظف الأجنبي في أوروبا أو أمريكا لا يكاد يختلف عن نظيره المواطن من حيث المزايا والأساسيات الملزمة في عقده وحقوقه كموظف. ولو أن أنظمة العمل تضع حداً أدنى من التعويض عن الساعات الإضافية وخدمات المواصلات والسكن والتأمين الطبي للموظف الأجنبي لكانت الجهات المسؤولة قادرة على فرض رقابة تضمن العمل بهذا النظام، ولأصبح السعودي والأجنبي أكثر كفاءة في معادلتنا. أما الجانب الأهم في المشكلة في رأيي فهو صعوبة الاستغناء عن الموظف السعودي. فإلى الآن لم تطرح الوزارة حلاً في احدى مبادراتها لهذه الثغرة المهمة في نظام العمل. فدائماً ما تشكل على الموظف السعودي هالة سوداء بأنه غير منتظم و»استغلالي»، إن صح التعبير. وما أن يضمن تثبيته في وظيفة ما تضمن له راتباً يكفي حاجته، حتى تبدأ إنتاجيته بالتناقص لتصل للحد الأدنى الذي يمنع فصله؛ ملوحاً بمكتب العمل عند كل إنذار أو «لفت نظر» يأتيه. وهذا بالطبع أمر مؤسف من الصعب علينا إنكار وجوده بين أبنائنا، وإن قلت نسبتهم. وهو يحمل في باطنه دلالات على مشاكل اجتماعية وتربوية لا يسعني المجال للخوض فيها هنا. لكن أوجز بأن أقول انه لابد حتماً من تغيير هذه النظرة السلبية للموظف السعودي لأنها بالفعل مدمرة في أثرها العام على سوق العمل. فنحن نعلم أن الموظف السعودي أثبت وجوده في جميع المجالات وأصبحت المملكة الآن تخرج مئات الآلاف من الرجال والنساء المدربين والمتعلمين الذين ينتظرون فرصة لإثبات ذاتهم في بيئة عمل عصرية يغمرها التحدي، ترفع من سقف طموحاتهم وتطلعاتهم في المستقبل. ورغم أنني لا أنكر وجود المقصرين في كل القطاعات بشكل ملفت، لكنني أستشهد بتجارب حية عاصرتها مع موظفين في مقتبل العمر يعملون في قطاع حكومي، كنت اراهم على مكاتبهم منذ بداية دوامهم إلى نهايته، وهم يعملون بإخلاص وهمم عالية ونشاط رغم ضعف الحافز المادي عموماً في الوظائف الحكومية. وهذه دلالة ثقافة عمل ناضجة وبيئة عمل محفزة وإدارة متطورة. وبالتالي، أجد انني لديّ إيمان قوي بأن الشاب السعودي يملك إمكانات ومزايا تميزه عن نظيره الأجنبي بشتى الأشكال، لكنه يحتاج إلى عناية وبيئة مناسبة للعمل، وفرص للنمو. إذاً ليس هناك شك بأن المواطن الباحث عن عمل، في الأصل، هو يبحث عن عمل يرضي طموحه ويتناسب مع مؤهلاته وقدراته ويؤمن له الدخل الذي يصبو إليه. وليس هناك مبرر حقيقي للاعتقاد بأن ذلك الموظف سيتخاذل في عمله في أقرب فرصة تسنح له! لكن، ومن منطلق هذه الفكرة والإيمان ببراءة الشاب السعودي من هذه التهمة والنظرة السلبية، أرى أنه لا بد من إيجاد آلية جديدة في نظام العمل تمكن صاحب العمل من الاستغناء عن خدمات الموظف السعودي الذي لا يثبت كفاءته لسبب أو لآخر، على ألا يكون ذلك على حساب حقوق الموظف. فحفظ الحقوق ركن مهم في هذه المعادلة، ولن نغفل ان من تلك الحقوق حق صاحب العمل أيضاً. وفي نظري، ان إيجاد مثل هذه الآلية على المدى القصير، سيكون له دور في كسر حاجز الخوف لدى صاحب العمل من توطين الوظائف، وانه سيحد كثيراً من ألاعيب وحيل السعودة الوهمية والتلاعب بالنسب والأرقام ومسميات الوظائف لمجرد الوصول للنطاق «الأخضر» أو «الممتاز». ويتم ذلك بدون إيمان فعلي بأن مصلحة المنشأة أو الشركة تكمن في توظيف ذلك الشاب السعودي والاستثمار في تدريبه وتأهيله وولائه للمنشأة ليدوم فيها. أما على المدى البعيد، من شأن هذه الآلية الجديدة إعطاء فرصة أكبر للمواطن الموظف في إثبات ولائه وكفاءته في أداء العمل، وأن يحل محل الأجنبي بشكل يخدم المصلحة العامة للشركة وليس فقط إرضاء لنظام العمل، أو تقيداً بنسبة ورقم على ورق! بالتالي نصل إلى بيئة عمل في السعودية يكون فيها توظيف السعودي مطلب ورغبة لكفاءته وقدراته، لا لأنه يحمل رقم سجل مدني. المراجع الداخلي - بالإنابة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن AmmrKurdi@