الدكتور منصور بن ابراهيم الحازمي احد الوجوه المضيئة في مسيرتنا الفكرية المعاصرة وأحد الواجهات الاعلامية المشرقة للحياة الادبية في بلادنا له العديد من الاسهامات الثقافية والفكرية (محاضرات وبحوث ومؤلفات) علاوة على تسعة كتب متنوعة المعالجات الثقافية. لقد شغل الدكتور الحازمي العديد من المراكزالاكاديمية منذ عام 1959م الى عام 1984م بالاضافة الى عضويته في العديد من اللجان والهيئات العلمية ولذلك ليس غريبا ان يحمل هموم الادب السعودي المعاصر ليسهم في بيان مواقف الخطأ والصواب ومعوقات انتشار هذا الادب خارج الحدود وعلى نطاق واسع فهو يتساءل في مقدمة هذا الكتاب: هل الادب الذي ينتج في بلادنا لم يعرف حقا خارج الحدود وهل من المعقول ان يظهر العشرات من الشعراء والكتاب في الحجاز ونجد والاحساء والقطيف وحائل وجازان وعسير على مدى نصف قرن او يزيد تطبع دواوينهم وتنتشر آثارهم نعجب ونتحدث عنهم دون ان يسمع بهم احد من جيراننا في الاقطار الشقيقة. ويواصل تساؤلاته بمرارة: اوليس من المؤسف حقا ان يموت العواد وشحاته وقنديل والفلالي واخيرا السباعي من غير ان يحس بهم احد في البلدان المجاورة.. اما حين يموت السياب او خليل حاوي او امل دنقل فاننا هنا نقيم الدنيا ولا نقعدها تأبينا ورثاء. بعد هذه التساؤلات يتحدث عن الكتابات حول الأدب السعودي منذ عام 1901م وحتى عام 1948م وبعد ذلك حيث انتشر التعليم واخذت وسائل الاعلام تجوب الآفاق لا نرى من الكتابات عن الادب السعودي ما يتناسب مع حجم المرحلة وما تزخر به من انتاج ادبي متنوع. وقد اشار في هذا السياق الى اسماء كثير من الباحثين الذين تحدثوا عن الادب السعودي في النصف الاول من القرن العشرين بما يعكس تلك الردة الادبية التي حدثت مؤخرا وقد عالج في هذه المحاضرة تطور الشعر في العهد العثماني وحتى اوائل العهد السعودي كما ألمح الى ادباء النثر خلال الفترة من 1937 الى 1960م. وعن حركات التجديد في الادب السعودي فقد اشار الى انه منذ توحيد المملكة ظهر مئات الشعراء والكتاب ومئات الكتب والدواوين مما يجعل من الصعب الاحاطة بها وقد قسم تلك المرحلة الى عدة حركات: حركة الصمود.. ومثلها محمد سرور الصبان ومحمد حسن عواد ومحمد عبدالوهاب اشي ومحمد صبحي ومحمد سعيد العامودي ومحمد عمر عرب. اما الحركة الثانية (الايديولوجية) فقد ذكر من اعلامها: عبدالله عبدالجبار (التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) سنة 1959م وعبدالله بن ادريس وسعد البواردي والحركة الثالثة: الحداثة.. قال عنها: لقد اصبنا في أواخر الستينيات واوائل السبعينيات بضرورة الحداثة التي عمت العالم العربي من المحيط الى الخليج ثم اشار الى اولئك الذين تعرضوا للحداثة نقدا وتقريظا ثم انتقل الى الحركة الرابعة وهي الاسلمة قال عنها: ان اهم حركة اصلاحية منظمة ضد الحداثة وضد كافة الحركات التغريبية المماثلة في بلادنا وفي البلدان العربية الاسلامية هي حركة الادب الاسلامي ومن رموزها الدكتور حسن الهويمل وعبدالله ابو داهش وعبدالرحمن العشماوي وتحت عنوان: من معاركنا النقدية كتب ما يلي: وما دام النقد لا يمكن فصله عن الابداع الادبي باعتبار ان الادب هو مادة النقد وموضوعه كما ان النقد هو التفسير والتقويم لذلك لابد ان يرتبط تصورنا لتطور النقد في بلادنا تصورا لتطور وخصوبة الابداع. اما البحث المعنون - مكةالمكرمة في قصص ابنائها المبدعين فقد تناول فيه بعض القصص والروايات المرتبطة بالمكان (مكةالمكرمة) (ايامي) لاحمد السباعي (ثمن التضحية) حامد دمنهوري ورواية (لا ظل تحت الجبل) فؤاد عنقاوي و(لا تقل وداعا) سيف الدين عاشور و(سقيفة الصفا) حمزة بوقري وبعد ان قدم تشريحا لتلك الروايات ومناحيها المكانية والزمانية قال: ونحن لا نستغرب ان يكون هاجس الادب والكتابات والصحافة من الامور الملحة على اذهان كتابنا الاوائل في تلك الفترة فقد كان الادب وسيلة بل هو المسوغ للوظيفة وقد كان معظم كتابنا موظفين في الاجهزة الحكومية للدولة سيما الخارجية والمالية والشرطة. وعن تطور القصة القصيرة في المملكة فقد تحدث عن نشأة القصة القصيرة منذ بداياتها وحتى عصر الحداثة ذاكر اسماء كل جيل وما له من انتاج قصصي يحمل عصورا من الحياة المعاصرة في كل حقبة رفيقة دربها ثم ختم هذا البحث بعبارات متفائلة وهي: ومع ذلك فانه يكفينا - كما قال المرحوم سباعي عثمان - عشر مجموعات قصصية او عشرة قصصيين (قصاص) لنقول بحق اننا نشارك وبجدارة في هذه النهضة القصصية النشطة التي يشهدها حاليا العالم العربي. اما البحث السادس فقد خصصه عن دراسة البيئة المحلية في قصة احمد السباعي.. والبحث السابع عن أدبنا السعودي في عيون الآخرين تحدث فيه عن الاشارات والايماءات التي تضمنتها رؤية عيون السائح التي من طبيعتها عين سريعة تخطف الاشياء خطفا وتسجلها عفوا تبحث عن المدهش والغريب حيث تنطلق من تصورات نابعة اما عين الباحث فهي تتنفس وتقرأ وتعيد القراءة لمحاولة معرفة ما بين السطور وما وراءها لاستخلاص النتائج وكان الدكتور طه حسين على رأس هؤلاء الباحثين الجادين حيث كانت نظرته - كما يقول الدكتور الحازمي - هي نظرة الاستاذ ونظرة المؤرخ الاستاذ المتمرس بالتراث والمؤرخ الذي يصل المقدمات بالنتائج.. ونظرة المفكر الذي لا يرى املا في توحيد الامة العربية دون ان تنفض عنها غبار القرون وتستفيد من منجزات الحضارة الاوروبية الحديثة. اما البحث الاخير فقد كان عنوانه (واقع الثقافة العربية بين الايجابيات والسلبيات) عالج فيه الكثير من اساسيات الثقافة: فهو مفهومها التباين الثقافي بين البلدان العربية - الثقافة والتراث - الغزو الثقافي - واقع الثقافة العربية في الخطة الشاملة - واقع الثقافة في منطقة الخليج والجزيرة العربية - ثقافتنا بين الحداثة والاسلام وقد تناول هذه النقطة بالكثير من الايضاح ثم ختمها بقوله: ان ما قدمناه في الصفحات القليلة السابقة عن واقع الثقافة العربية هو غيض من فيض ولا يمثل سوى قطرات بحر كبير. وبعد: ان هذا الكتاب وما اشتمل عليه من ابحاث ذات بعد اكاديمي شامل قدم للقارئ دراسات قد يستعين بها الباحث والدارس كما يستفيد منها اولئك الذين يمارسون التثقيف الذاتي وطلاب المتعة في القراءة الجادة.. والخلاصة ان هذا الكتاب بفصوله الثمانية عبارة عن ثماني مراحل دراسية تختص بالواقع الثقافي في الوطن العربي وليس غريبا ان يقدم الدكتور الحازمي مثل هذه الدراسات بل الغريب الا يقدمها وهو قادر عليها.