إصدار 54 ترخيصاً صناعياً جديداً خلال مارس 2024    سفير خادم الحرمين الشريفين لدى طوكيو يسلم أوراق اعتماده لإمبراطور اليابان    خلال أبريل.. ضبط 117 حالة اشتباه بالتستر التجاري.. وإحالة المخالفين إلى الجهات المختصة    «الحج والعمرة»: إيقاف إصدار تصاريح العمرة عبر تطبيق «نسك» لمدة شهر    مؤتمر مستقبل الطيران 2024 يختتم فعالياته في الرياض    "الإحصاء": الصادرات غير البترولية تسجل ارتفاعاً بنسبة 3.3% في الربع الأول 2024م    علامة HONOR تكشف عن بنية الذكاء الاصطناعي المكونة من أربع مستويات وتمضي قدماً مع Google Cloud من أجل مزيد من تجارب الذكاء الاصطناعي في VivaTech 2024    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج دورة تأهيل الضباط الجامعيين ال35 والدفعة ال40    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    أدبي الطائف يقيم الأمسية السودانية ضمن لياليه العربية    رابطة روشن تعلن عن إقامة حفل تتويج للهلال    "مايكروسوفت" تترجم مقاطع الفيديو وتدبلجها    "سدايا": حريصون على المعايير الأخلاقية بالذكاء الاصطناعي    محافظ الخرج يُكرم شركة "لمسات احترافية" لجهودها في تنظيم الفعاليات الوطنية والمحلية    "ساما" تضع حداً للتمويل الجماعي ونسبة توطين 5% سنوياً    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    محمية الملك سلمان.. أول موقع رئيسي للتنوع البيولوجي    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال 49 من طلاب مدارس الرياض    نائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج 6120 طالباً وطالبة من جامعة حفر الباطن    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    «صراع الهبوط» يصطدم بالكبار    تخريج 700 مجند من دورة «الفرد»    أزمة بين «سكارليت» و«شات جي بي تي» والسبب.. تشابه الأصوات    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    أمير تبوك يكرِّم الطلاب والطالبات الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقات    مغني الراب.. راح ضحية استعراض مسدسه    جنة الأطفال منازلهم    العمر.. والأمل    علم النفس المراحل العمرية    الأمير منصور بن متعب ووزير الخارجية ينقلان تعازي القيادة في وفاة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية ومرافقيهما    وصول ركاب الخطوط السنغافورية بسلام بعد رحلة جنونية    رحلة في العلاقات السعودية الأمريكية.. من المُؤسس إلى المُجدد    لقاء علمي يستعرض تجربة بدر بن عبدالمحسن    خبراء يناقشون تجربة «أوبرا زرقاء اليمامة»    هيئة المتاحف تنظم المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار    القبض على أربعة مروجين للمخدرات    لا فيك ولا في الحديد    تنمُّر التواصل الاجتماعي.. قصة كارسون !    "الصحة": اشتراط ثلاثة لقاحات لأداء فريضة الحج    ثلاثي روشن يدعمون منتخب البحارة و رونالدو: فخور بتواجدي مع البرتغال في يورو 2024    البرتغالي جوزيه مورينيو في ضيافة القادسية    واتساب يتيح قفل المحادثات على الأجهزة المتصلة    229 مشروعاً تنموياً للبرنامج السعودي في اليمن    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    أتالانتا الإيطالي "يقسو" على باير ليفركوزن الألماني.. ويفوز بلقب الدوري الأوروبي    معرض «لا حج بلا تصريح» بالمدينة المنورة    د. خوقير يجمع رجال الإعلام والمال.. «جمعة الجيران» تستعرض تحديات الصحافة الورقية    السبت الكبير.. يوم النهائيات الخمسة.. العين يطمح للقب الآسيوي.. والأهلي لتأكيد زعامته للقارة السمراء    حاتم جمجوم يتلقى التعازي من الأمراء والمسؤولين في حرمه    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    الأمير سعود بن مشعل ترأس الاجتماع.. «الحج المركزية» تستعرض الخطط التشغيلية    الكاتب العقيلي يحتفل بتخرج إبنه محمد    آل مجرشي وآل البركاتي يزفون فيصل لعش الزوجية    "أبرار" تروي تحديات تجربتها ومشوار الكتابة الأدبية    استشاري: حج الحوامل يتوقف على قرار الطبيب    جناح الذبابة يعالج عيوب خلقية بشرية    تخريج دفعة من مجندات معهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقرير النهائي يحدد موعد جراحة التوأم المصري
اليوم أول جريدة عربية تزور الأسرة في صعيد مصر وتنفرد بلقاء والدهما بعد عودته
نشر في اليوم يوم 17 - 07 - 2003

في مشهد تراجيدي استقبل اهالي قرية الحمر والجعافرة ابنهم ابراهيم محمد ابراهيم بعد فترة غياب حوالي ثمانية شهور بجانب توأمه الملتصق من الرأس احمد ومحمد الموجودين حالياً بمدينة دالاس الامريكية في انتظار عملية جراحية لفصلهما.. ولم تصدق الزوجة نبأ وصول زوجها المفاجئ فاندفعت تسابق خطواتها وتنادي احمد .. محمد، وما ان شقت الزوجة صباح صفوف المحيطين بابراهيم الا وفوجئت بعدم وجود أي من التوأم، فصرخت فين احمد وفين محمد يا ابراهيم، ايه حصل لاولادي ودموعها تنجرف من مقلتيها ويحاول ابراهيم جهد ايمانه ان يهدىء من هلعها مقسماً بانهما على خير ما يرام، وانه تركهما بصحة جيدة ويحاول ان يخفف عليها فيقول لها اولادك اصبحوا عيال خوجات بيرطنوا كلمات انجليزي واسرع يخرج لها بعض الصور من حقيبته لتنظر اليهما شكل تاني وكأنهما ليسا من نبت هذه القرية البسيطة فتضم الام الصور إلى صدرها ثم تقبلها وتقول وحشوني وحشوني وحشوني، نفسي اشوفهم.. فيقول لها ابراهيم بلهجة صعيدية بسيطة: من اجل ذلك انا حضرت إلى مصر واحضرت لك دعوة بالذهاب لامريكا لرؤية احمد ومحمد بنفسك ولن تصدقي ما هما عليه الآن فالوسائد "ناعمة والخدمة متميزة" !.
وعندما علمت "اليوم" بنبأ وصول والد التوأم انتقل محررها إلى قرية الحمر والجعافرة احدى قرى مدينة قوص التي تبعد حوالي 670 كم تقريباً عن العاصمة المصرية القاهرة ليلتقي بأسرة التوأم داخل دار ريفية متواضعة حيث اكد والد التوأم بأنه لن يتراجع عن السير قدماً في اجراء عملية الفصل لتوأمه بغض النظر عن النتيجة التي حدثت للتوأم الايراني، خصوصاً وان هذه الفرصة لن تتكرر مرة اخرى لابراهيم الذي ذاق الامرين قبل ان يسافر إلى امريكا الذي بهرته امكانيات دالاس الطبية اما الأم صباح فقالت ارجو من كل مسلم ان يصلي ويدعو الله ان يعجل بشفاء التوأم وتنجح العملية الجراحية لهما.
أصل الحكاية
يروي ابراهيم محمد ابراهيم ابن الثلاثين عاماً نقطة التحول في حياته الاسرية، التي دامت 7 سنوات مع بنت القبيلة صباح التي تبلغ من العمر الان 24 عاماً انعم الله عليه بأسماء 6 سنوات ومحمود 4 سنوات ونصف وفي هدوء سارت حياة هذا القروي البسيط داخل قرية الحمرو الجعافرة، مثل الطير يخرج كل صباح بحثاً عن لقمة العيش لاسرته الصغيرة، دون ان يشغله امر المستقبل في شيء إلى ان جاء شهر يونيه 2001 الذي شهد مرحلة جديدة في حياة هذه الاسرة ، شعرت الزوجة صباح بآلام شديدة في البطن، استلزم الاستعانة بالدكتورة صفاء عدلي يس طبيبة امراض النساء والولادة، والتي طلبت عقب عمل السونار تجهيز غرفة العمليات بالعيادة لعمل ولادة قيصرية حفاظاً على صحة الام رغم انها كانت في شهرها السابع، وساعات قليلة وحدث ما لم يخطر على بال احد، توأم من الذكور ملتصقين من الرأس. وعلى الفور اوصت الطبيبة بالاسراع بهما ووضعهما في حضانة بمستشفى قوص المركزي احد مراكز محافظة قنا بصعيد مصر.. وما هي الا لحظات والخبر انتشر في ربوع القرية والقرى المجاورة بل انه اصبح حديث مدينة قوص، ووجد فيه سمار المصاطب مادة ثرية لاشغال اوقات فراغهم، بينما اولو الايمان نظروا اليها بأنها اية من ايات الخالق جل شأنه في الارض لمن هو بصير.. اما ابراهيم فقد غرق في بحر من الحيرة ودون ان يشعر عرف طريق الخوف من المستقبل بعدما عاش مرتدياً ثوب القناعة في حين غابت الام ساعات طويلة تحت تأثير البنج لا تدري ما يهمس به السمار ورويداً رويداً بدأت غيوم المخدر تتبدد، لتسترد وعيها المصحوب بآهات الام الجراح التي لم تمنعها من محاولة تحسس الفراش بجانبها لتطمئن على وليدها دون جدوى، حتى اخبرت بأنهما توأم وقد تم وضعهما في حضانة بمستشفى قوص، وبفطرة الامومة تحاملت الام على نفسها في اليوم الثالث، وتجاهلت تحذيرات الطبيبة بحثاً عن نظرة من توأمها، وعندما دخلت عليهما الحضانة لم تصدق ما رأت وتمتمت بكلمات ايمانية تذكر الخالق جل شأنه.
وكلما اشرقت شمس صباح جديد تتثاقل الهموم على ابراهيم البسيط، الذي وجد نفسه فريسة لمخالب اسئلة محيرة لا يملك من حوله تفسيرا لها، مثل امكانية فصل التوأم ومن القادر على القيام بهذه العملية؟ وان وجد فكم ستكون التكلفة؟ وان عرفت التكاليف، فمن أين له وهو الذي يحصل على قوت يومه له ولاسرته بالكاد؟.. وغير ذلك من الاسئلة التي انهمرت عليه كالسير الجارف، لم ينقذه منها الا تدخل الطبيبة صفاء التي قالت له لا حل سوى التوجه بهما إلى مستشفى ابو الريش للاطفال، حيث الامكانيات الحديثة والتجهيزات القادرة على التعامل مع التوأم فضلاً عن الخبرات العلمية من ذوي الكفاءات.. ولم يتردد الاب في السفر إلى القاهرة قائلاً لو ان علاجهما في بلاد الواق واق لذهبت زحفاً من اجلهما، واستودع ابراهيم الله زوجته التي آثرت سلامة طفليهما على بقاء زوجها بجانبها قبل ان تلتئم جروحهما.
رحلة ابو الريش
وصل ابراهيم وبصحبته التوأم إلى مستشفى ابو الريش بالقاهرة وبصحبته خطاب من مستشفى قوص يخاطب ادارة المستشفى بمتابعة الحالة وكان اول من القتى به ابراهيم داخل المستشفى الدكتور ناصر عبد العال مدير مركز جراحة حديثي الولادة بمستشفى ابو الريش الذي استمع إلى والد التوأم وفحصهما جيداً وطمأن ابراهيم ثم طلب الدكتور ممدوح ابو الحسن المدرس بقسم الجراحة بالقصر العيني وطلب منه متابعة حالة التوأم، وفي نفس الوقت كلف الممرضتان نجلاء محمود بركة ووفاء ابراهيم دردير برعاية التوأم والتفرغ لهما داخل المستشفى، وهنا بدأ ابراهيم رحلة اخرى مع قرارات العلاج على نفقة الدولة بمبلغ ثلاثة الاف جنيه تتجدد اسبوعياً، وهو ما اجبر والد التوأم على التردد دائماً على القاهرة قاطعاً حوالي 700 كم ذهاباً ومثلهما اياباً إلى قوص اسبوعياً، وهو ما انهك حالة ابراهيم الصحية ليزداد نحافة، ضاعف ذلك من المعاناة التي كان يقاسيها امام شبابيك استلام قرارات العلاج على نفقة الدولة وسلسلة الطوابير الطويلة التي تفرض عليه كانت في بعض الاحيان ان يجلس نهاراً كاملاً على الرصيف ليستمع إلى قرار دون جدوى فيعيد الكرة مرة اخرى في اليوم التالي بداية من الساعات الاولى لضوء الصباح ليكون قريباً من الشباك لعله يستمع إلى قراره.
حنين الامومة
عام مضى من المعاناة على ابراهيم الذي ظل يتعلق بالامل في محاولة التدخل الجراحي لفصل التوأم، وزادت مصاريف ابراهيم الشخصية وبدأ يعرف طريق الاستدانة من الخلان اما الام صباح فقد كانت تعيش حياة ممزقة ففلذة كبدها في القاهرة وهي في حضن الصعيد الذي اجج طقسه الحار مشاعر الحنين والشوق بداخل الام مما جعل الزوج ابراهيم يصطحبها بين الحين والاخر لمشاهدة توأمها وضمهما إلى صدرها لتسقيهما من صدرها حنان الامومة، وتقبلهما بشغف بينما تبلل قطرات دموعها خديهما وكأنها حبات لؤلؤ تجري على سطح أملس يصاحب ذلك دعاء بتضرعها إلى صاحب القدرة ان يمن عليها بشفاء توأمها رحمة بها وبحالة اسرتها البسيطة.
القلوب الرحيمة
"ضاقت حلقاتها فاستحكمت، حتى ظن والد التوأم بأنها لن تفرج.. هكذا كان الجو الذي يعيشه ابراهيم العامل البسيط الذي انقطعت به السبل في القاهرة، وازدادت حياته تقشفاً لعدم وجود مورد للرزق، وشعر بنفسه بين نارين احدهما حرقته على توأمه خلف جدران مستشفى ابو الريش للاطفال بالقاهرة والنار الاخرى حرقته على اسرته البسيطة التي يتركها كل اسبوع في مدينة قوص.. رحلة طويلة من العذاب كان كل يوم فيها يمر كالدهر وليس هناك من ومضة تبعث على الامل في نهاية النفق، حتى اشار اليه البعض باللجوء إلى طارق علام عساه ان يثير قضيته في برنامجه لاصحاب القلوب الرحيمة الذين اتاهم الله من سعة فضله.. ولم يتردد الصعيدي الاسمر نحيف الجسد في الاتصال بالمذيع اللامع طارق علام الذي تأثر بقصة التوأم ورحلة عذاب والدهما وكان اول الغيث قطرة عندما وعد طارق والد التوأم بأنه سيسعى له عند محافظ قنا لتدبير مورد رزق ثابت له، ولكن لم يملك المحافظ سوى تقديم فرصة عمل مؤقتة لابراهيم كفراش في مدرسة قرية الحمر والجعافرة بعقد لمدة سنة وراتب شهري 140 جنيهاً ورغم تواضع المبلغ الا ان الاسرة المكونة من زوجة واب واثنين من الابناء استشعروا الامان لاول مرة وارتضوا بنصيبهم من الدنيا.
ابو الريش يرفع راية التسليم
بعد متابعة دقيقة لحالة التوأم داخل مستشفى ابو الريش، وبحث كل الاوضاع الممكنة لاجراء العملية، اعلن الاطباء قرارهم الشجاع عدم قدرتهم على المضي قدماً في المخاطرة بعملية فصل للتوأم في ظل امكانيات شبه معدومة للتعامل مع مثل هذه الحالات التي تحتاج إلى تجهيزات دقيقة لا تقدر عليها أي مستشفى، وهنا اقترح الدكتور ناصر عبد العال امكانية سفرهم إلى امريكا وبالتحديد في مدينة دالاس الطبية، وبدأ الدكتور ناصر يجري اتصالاته بصديق له هناك هو الدكتور كينيث سالير ابرز الخبراء العالميين في جراحات الوجه والجمجمة، وقد سبق ان شارك والدكتور ناصر في عملية واحدة من قبل لفصل توأم.. وبعد شرح الحاله لسالير عبر التقارير، وافق على تبني حالة التوأم داخل مركزه الخاص بمدينة دالاس.. واستبشر الجميع خيراً ولم يعكر صفو هذه المفاجأة سوى كيفية تدبير نفقات سفر التوأم التي قدرت بحوالي 80 الف جنيه، اما كافة متطلباتهما واستضافتهما في امريكا فقد تعهد بها الدكتور الامريكاني سالير.. وهنا لم يكن امام الاب سوى باب اصحاب القلوب الرحيمة عبر برنامج طارق علام، ولم يخيب الله آمال الاب فقد ارسل له صاحب القدرة من يتبرع بتكاليف سفر التوأم والذي تحدد لهما يوم 23 يونيو 2002 على احدى طائرات مصر للطيران المتجهة إلى نيويورك وقد خرج التوأم احمد ومحمد من مستشفى ابو الريش في موكب ودعهم على باب المستشفى الدكتور ناصر عبد العال بقبلات الابوة واستوصى الدكتور ممدوح ابو الحسن والممرضتين نجلاء ووفاء ان يحسنوا رعاية التوأم.. اما صباح الام فقد تملكتها حالة من البكاء الشديد، فقد كانت كلما فاض بها الحنين إلى ولديها استقلت القطار يطوي مئات الكيلومترات لتشبع غريزة الامومة وتقر عينها برؤية توأمها وقد ارتضت الام بذلك متقبلة تكبد ساعات السفر الطويلة وظنت انه لن يدوم هذا الحال فلا بد من نهاية اما اجراء عملية او عودة احمد ومحمد لحضنها طالما كانت هذه مشيئة الرحمن ولكن ابداً لم يخطر ببال الام صباح ان يفارق توأمها ارض غير الارض ويفصلها عنهما حواجز عاتية.. استسلمت الام وجرت اقدامها إلى التاكسي وايادي ابراهيم تمسح دموعها.
ابراهيم في بلاد العم سام
لم يكن يخطر ببال ذاك الصعيدي الاسمر ذي الحال المتواضع ان تتجاوز خطواته حدود العاصمة قنا، ولكن احمد ومحمد جعلا ابراهيم ضيفا دائما على"القاهرة".. اما ان تفارق اقدام ابراهيم مصر كلها فكان غير وارد في الحسابات رغم كثرة الاماني والتعلق الدائم بعشق الرسول وزيارته هذه كانت طموحات هذا الصعيدي ولكن المشيئة الالهية ساقت خطواته إلى بلاد اخرى حيث العم سام.. فما ان انقضت ثلاثة شهور على سفر التوأم الا وكانت هناك دعوة له من الدكتور ساليز للحضور لمتابعة العملية الجراحية للتوأم، وقد تضمنت الدعوة التأكيد على تحمل صاحب الدعوة بتذكرة ابراهيم من نيويورك إلى مدينة دالاس بالاضافة إلى تكاليف الاقامة.. الا ان ابراهيم وقف حائراً امام ثمن تذكرة القاهرة نيويورك ولم يجد امامه سوى برنامج تليفزيوني للمذيع طارق علام توسط له لدى المسئولين لمنحه تذكرة مجانية إلى نيويورك على خطوط مصر للطيران وتجمع اهالي القرية ليشاهدوا ابراهيم البسيط وهو مسافر إلى حيث لا يحلم احد "امريكا" هذا المواطن الذي كان بالكاد يحلم بأن يرى شوارع القاهرة سوف يتجول في شوارع امريكا.. ولاول مرة تطأ اقدام ابراهيم الطائرة ابتلع انفاسه بينما صوت الزوجة المسكينة يدوي في اذنيه "سلم لي على احمد ومحمد يا ابراهيم اصلهم وحشوني يا ترى عاملين ايه دلوقتي، شكلهم بقى ايه يا مين يأتي لي بهما امانة يا ابراهيم تقبل اياديهم علشان خاطري، خصيمك النبي لو لم تفعل".
ولم يقطع خلوة ابراهيم ويوقف شريط ذكريات القرية سوى حضور احدى المضيفات بين الحين والاخر فتتوه الكلمات منه.. وفي نيويورك هبطت الطائرة واذا بمندوب في انتظاره ليصطحبه إلى مدينة دالاس ليستقبله الدكتور ساليز استقبالا حارا .. ويخبره من خلال المترجم أنه بعد بضعة ايام سيعقد اجتماع مع طاقم الاطباء المسئولين عن متابعة حالة التوأم منذ وصولهما إلى مدينة دالاس ليتعرف على كل الحقائق والمخاطر التي تواجه التوأم.
ويضيف أنه: خلال فترة الراحة التي منحها لي الدكتور سالير شاهدت صورة التوأم على صفحات احدى الصحف الامريكية فطلبت من المترجم ان يفسر لي ما هو مكتوب اسفل الصورة فقال ان هناك احد الصحفيين يحاول تحريض الرأي العام على التكاليف الباهظة التي سيتم انفاقها على طفلين عربيين مسلمين، ويستطرد ابراهيم قائلاً وقعت هذه الكلمات على سمع الصعيدي وقع الخناجر في القلوب فاستشاط غضباً واسرع للدكتور سالير يشكو اليه من هذا الصحفي وثار امام الطبيب الامريكي ليقول له بلهجة صعيدية "احنا لم نجبركم على عمل شيء انتم اللي طلبتم استضافتنا وقبلتم عن طيب خاطر اجراء العملية، اما وان نأتي إلى هنا لتهاجمونا وتتطاولوا علينا فلن نسمح لاحد ولو كان بوش ذاته".
لم يتمالك الدكتور سالير نفسه من الضحك على ثورة ذاك الصعيدي وطباعه .. واردف قائلاً "إن هذه صحف حرة في ان تكتب ما تريد ونحن ايضاً مقتنعون بما نفعله، وانا متحمل كل شيء خاص بالتوأم وبك وبالممرضتين.. من حقك يا ابراهيم ان تغضب فقط لو شعرت من جهتي بأي تقصير.. اذهب فاسترح لان عندك اجتماعا في هذا المساء مع طاقم الاطباء" وعندما حان ميعاد اللقاء حضر اكثر من 60 طبيبا واصيب ابراهيم بحالة ذهول الا ان الدكتور ساليز قال له لا تقلق كل هؤلاء موجودين لخدمتك والرد على أي استفسار لك عن التوأم وعما تم لهما من اجراءات علاجية خلال فترة الاشهر الثلاثة الماضية، وقد بدأ اخصائي الاشعة بشرح حالة الشرايين التي تصل احمد بمحمد وتلك الاوعية الدموية الملتصقة.. اما طبيب المخ والاعصاب فقال ان هناك تعديل مستمر في الخطط بهدف الوصول إلى افضل وضع حيث كانت هناك خطة تقوم على ربط الشرايين الا ان الخوف من حدوث نزيف جعلهم يعدلون هذه الخطة، ولكنه اكد طبيب المخ والاعصاب على احتمال اصابة ذراع او ساق احد التوأمين بشلل.
الاختيار الصعب
ويصارح"اليوم" بأصعب لحظات حياته وهي تلك التي أعقبت اجتماعه بطاقم الاطباء الذين شرحوا له ابعاد حالة التوأم واحتمالات العملية الجراحية المتوقعة، ونسبة الخطورة الموجودة والتي قد تؤدي إلى التضحية بأحد التوأمين وربما الاثنين في اسوأ الاحتمالات، وقال أن د./ سالير طلب منه ان يعيد التفكير مراراً ليتخذ قراره اما العودة بالتوأم إلى ارض مصر واما الموافقة على السير قدماً في اجراء الجراحة ولو اختار الثانية فعليه ان يوقع على اقرار للتنازل عن أي مسألة لفريق الاطباء او مدينة دالاس او أي جهة امريكية وبلهجة حادة رد ابراهيم قائلاً بإيمان : يا دكتور .. جئت إلى هنا بحثاً عن علاج لحالة التوأم، وسأكون سعيداً لو أعلنتم عجز الطب عن علاج التوأم لانني سأعود بهما إلى مصر ويكفي ان العلم بكل ما وصل اليه عجز امام اية من ايات الخالق المعجزة.. الحمد لله اننا مسلمين نؤمن بقضاء الله وقدره وقل لن يصيبنا الا ما كتبه الله لنا.
كلمة شكر
تشكر اسرة مكتب "اليوم" بالقاهرة جهاز الشرطة الذي تعاون مع محرر"اليوم" خلال مهمته في مدينة قوص ويخص منهم الرائد هشام عبد الهادي خالد من شرطة السياحة والرائد رضا النويش والنقيب احمد المجبر من مباحث قوص، كما تخص بالشكر العمدة احمد ثابت جودة عمدة قرية الحمر والجعافرة، والذي اصطحب المحرر إلى دار والد التوأم ولم يترك المحرر الا بعد الانتهاء من مهمته.
التوأم..
ابراهيم يشرح ل(اليوم) معاناته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.