ليس غريبا على بلد مثل بلادنا ان يشكل الاحتفاء بالثقافة فيه عنصرا من ابرز عناصره الحيوية, وقيمة من اهم قيمه الاجتماعية, تنهض به الدولة, ويقدره الشعب, فاننا ننهل من دين بدأ ب (اقرأ), وجعل من اساس التفاضل بين ابنائه العلم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). ومن هنا نرى للعالم والمثقف والاديب تلك المكانة السامية في نفوس الناس صغيرا وكبيرا, وللكلمة ذلك الصدى الممتد في قلوب متلقيها.. شعرا ونثرا. وان هذا الاحتفاء بالثقافة يمثل شكلا من اشكال النمو الجمعي في الامة, اذ: (يشكل عدم ادراك اهمية الدور الذي تؤديه الثقافة الادبية في المجتمعات النامية, الحلقة المفقودة عند البحث عن اسباب تراجعها وتخلفها, وتكمن اهميتها في الارتقاء بفكر الانسان وسلوكه, بوصفه العنصر الذي يمثل هدف التنمية الاساس, لانه لايمكن تصور حدوث تنمية اقتصادية او اجتماعية او ثقافية دون الارتقاء بالانسان فكرا وسلوكا). كما يقول الاستاذ فهد الساعاتي. وتكريسا لمبدأ التواصل مع الثقافة, والنهضة على اساس العلم جاءت المادة التاسعة والعشرون من النظام الاساس للحكم في بلادنا تنص على ان الدولة (ترعى العلوم والآداب والثقافة, وتعنى بتشجيع البحث العلمي, وتصون التراث الاسلامي والعربي, وتسهم في الحضارة العربية والاسلامية والانسانية). ولاشك في ان الادب كغيره من المناشط الانسانية محتاج الى مؤسسات توفر له جوا منظما مدروسا, يدفع بعجلته الى الامام, ويدافع عن مبادئه, ويبني العلاقات بين افراده المنضوين تحت افقه, بل ويتيح المجال امام الاديب ليسمع له, والتلقي في حد ذاته دافع من ابرز دوافع الابداع للاديب خصوصا, ولكل مبدع في كل فن انساني. وهو مادفع عددا من الادباء العرب الى تشكيل تكتلات ادبية اطلقوا عليها مسميات عديدة, مثل: جماعة الديوان, وجماعة ابوللو, وجماعة المهجر, وغيرها, التي كان لها اثر بالغ في تطوير الادب العربي الحديث, والانتقال به من طور الى طور. وقد كان للادباء في المملكة نشاط ملموس في المؤسسات التعليمية المتميزة, كالمعهد العلمي في الرياض الذي كان يشرف عليه الشيخ حمد الجاسر, والمعهد العلمي في الاحساء الذي اقام فيه الشاعر الكبير عبدالله بن خميس ناديا ادبيا, خرج مجموعة من الشعراء والادباء, وقل مثل ذلك في المعهد السعودي, والمدرسة الصولتية في الحجاز وغيرهما. كما وجدت مجالس ادبية مبثوثة في كل منطقة من مناطقها, بحسب اتجاهاتهم, ونشاطهم, لا سيما حينما توجد شخصية مرموقة محبوبة, يقوم صاحبها بفتح قلبه وداره للادباء والشداة, ليستمع بعضهم لبعض, ويقوموا مسيرتهم الناهضة, ويطلعوا على ما استجد في هذا الميدان المتطور باستمرار, واما في الاحساء والقطيف فقد كانت الاسر العلمية الادبية هي التي تقوم بهذا الدور, في مجالسها, ومزارعها وبساتينها, ولعل احدية السفير السابق والاديب الكبير احمد بن علي المبارك التي بدأت نشاطها في الاحساء عام 1411ه امتداد لتلك الجلسات, لاسيما في ظل عدم وجود ناد ادبي في الاحساء حتى الآن, وبعد اقرب ناد عنها اكثر من مائة وخمسين كيلومترا, ولعل ذلك السبب هو الذي يقف وراء تكاثر الصالونات الادبية في الفترة الاخيرة في الاحساء. ولكن مثل هذه الجلسات لاتفي بكل متطلبات الادباء, ولا تستطيع ان تمتد اكثر من حدودها الجغرافية كثيرا, فكان لابد من ايجاد مؤسسات ترعاها الدولة, وتخصص لها جزءا من ميزانيتها وهكذا.. فان هذا الواقع الادبي المتنامي, في ظل الاستقرار الذي تنعم به المملكة قد افرز حاجة ملحة لايجاد عمل مؤسسي يخدم الادب واهله, حتى جاء الوقت الذي حدثت فيه نقلة رائعة للادب من طور ادب المجالس الى ادب المؤسسات, حيث اسست الاندية الادبية في المملكة منذ عام 1395ه وتتابعت حتى الآن, حيث افتتح عن قريب نادي الجوف الادبي.. والسؤال هل سيكون نادي الاحساء الادبي هو النادي القادم إن شاء الله؟